محاضرات مسابقة قانا الجليل
الألحان
|
|
|
|
|
|
|
|
الكتاب الدراسي
الموضوع الدراسى الأساسى.. مقرر على كل المشتركين فى كل المسابقات.. ويؤدون فيه إمتحانًا فى التصفيات النهائية.. حيث يؤثر النجاح فيه على إظهار النتيجة أو حجبها
"ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ!" هذا هو شعار مهرجان 2016 إن شاء الله..
- "ذُوقُوا.. - انْظُرُوا.. - مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ!" (مز 8:34)..
ذُوقُوا : فالحياة الروحية "تذوق"، أى "إختبار".. وهناك فرق شاسع بين أن تسمع عن طعم العسل، وبين أن تتذوقه فعلاً! "السمع" يجعلك تجول بفكرك وخيالك ومشاعرك، وتعود بإحساس عام.. أما "التذوق" فيجعلك تأخذ هذا "العسل" إلى أعماقك، وإلى أحشائك، فيمتزج بدمك، ويسرى فى عروقك، ويتسلل إلى كل خلايا جسمك!
انظروا ما أطيب الرب :
هكذا رب المجد يسوع!! الذى سمع عنه أيوب كثيرًا، ولكنه لما رآه صاح قائلاً: "بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِى" (أى 5:42)، وهذا ما رآه داود بالإيمان حين قال: "جَعَلْتُ الرَّبَّ أَمَامِى فِى كُلِّ حِينٍ. لأَنَّهُ عَنْ يَمِينِى فَلاَ أَتَزَعْزَعُ! لِذَلِكَ فَرِحَ قَلْبِى وَابْتَهَجَتْ رُوحِى! جَسَدى أَيْضًا يَسْكُنُ مُطْمَئِنًّا!" (مز 8:16-9).
تأمل فى هذه المرحلة المتتالية:
1- رآه بعين الإيمان والرؤيا والنبوة.. 2- ففرح القلب..
3- وتهلل اللسان.. 4- وسكن جسده على رجاء القيامة!
وهذا ما نحتاجه من إختبار لهذا الشعار:
1- أن نؤمن بالرب يسوع القائم من الأموات، والصاعد إلى السموات، والقادم فى المجئ الثانى ليأخذنا إليه!
2- أن نفرح بكل هذه العطايا، وبالأكثر بالعاطى نفسه رب المجد، الذى قال لتلاميذه: "سَأَرَاكُمْ أَيْضًا فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ" (يو 22:16).
3- وينعكس الفرح القلبى على تهليل لسانى، وترانيم وتسابيح "أَمَسْرُورٌ أَحَدٌ؟ فَلْيُرَتِّلْ" (يع 13:5).
4- والمهم أن يصير هذا يقينًا يوميًا وأبديًا..
- أحياه كل يوم.. إذ يقودنى الرب يوميًا فى كل مناحى الحياة..
- وأترجاه بعد القيامة.. إذ أحيا معه وله وبه إلى الأبد فى ملكوته..
"لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ" (أع 28:17).
لهذا جاءت مفردات المهرجان معبرة عن هذا اليقين الإلهى:
1- "افْرَحُوا.. 2- اكْمَلُوا.. 3- تَعَزَّوْا..
4- اهْتَمُّوا اهْتِمَامًا وَاحِدًا.. 5- عِيشُوا بِالسَّلاَمِ.." (2كو 11:13).
أولاً: افْرَحُـــــوا
فالفرح علامة المسيحيين، ومن قديم الزمان قال داود النبى: "لأنهمّ يسكنون جَميعًُا بفرح فيكِ" (مز 87 الأجبية).
- والرب نفسه قال لتلاميذه: "سَأَرَاكُمْ أَيْضًا فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ
وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ" (يو 22:16).
- إن رؤية الرب تشيع الفرح فى جنبات النفس "فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ" (يو 20:20).
- فكم بالحرى سكنى الرب فى داخل القلب!! سيكون الفرح ميراثًا، ويكون القلب ملكوتًا!!
- "هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ" (لو 21:17).
- معروف أن الفرح هو ثمرة من ثمار الروح القدس "افْرَحُوا.. اكْمَلُوا.. تَعَزَّوْا" (2كو 11:13).
- ومعروف أن الفرح هو سمة الإنسان المسيحى بسبب ارتباطـه الوثيق بالرب يسوع الذى قال: "سَأَرَاكُمْ أَيْضًا فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ" (يو 22:16).
لكن ما هى سمات الفرح المسيحى ؟
? هو أسمى من "اللذة" (Pleasure) : فاللذة مرتبطة، بالحسيات، سواء لذة الجسد، أو جمع المال، أو المناصب.. كلها مرتبطة بالجسد والشهوات النفسية.. واللذة - عمومًا - مؤقتة وزائلة، وكثيرًا ما يعقبها "الندم" (Sense of guilt).. حيث لا توجد خطيئة بدون ندم واحساس بالذنب، وهذا ما نختبره كلما سقطنا فى خطيئة، إذ تتحول اللذة إلى مرارة! ونحتاج إلى التوبة لكى تعود إلينا فرحتنا!
? وهو أسمى من "السعادة" (Happiness) : فالسعادة - كما يبدو من الكلمة الإنجليزية - مرتبطة بأحداث معينة تجعلنى سعيدًا (Happenings) مثل النجاح الدراسى أو العملى أو المادى.. الخ.
? وهو ثمرة من ثمار الروح القدس : التى ذكرها معلمنا بولـس فـى رسالته إلى كنيسة غلاطية: "وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ.." (غل 22:5-23).
وثمار الروح هى من فعل الروح القدس الساكن والعامل فينا، وروح الله ثماره إلهية الطابع، والمصدر، ولذلك فهى تأخذ من إلهنا الصالح نوعًا من النقاء والتسامى، الذى يفوق جنس البشر!..
هكذا "فرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ" (يو 20:20).. وهكذا قال لهم: "سَأَرَاكُمْ أَيْضًا فَتَفرَحُ قُلوبُكُمْ وَلاَ يَنزِعُ أَحدٌ فرَحَكُمْ منْكُمْ" (يو 22:16).. ومن القديم تنبأ عن ذلك داود قائلاً: "لأنهمّ يسكنون جَميعًُا بفرح فيكِ" (مز 87 الأجبية).
ثانيًا: اكْمَلُوا
الإنسان الذى يقتنى روح الله داخله، ويسكنه المسيح، سيكون بالضرورة "ملكوتًا" فالملكوت هو أى مكان يسكن فيه الملك!! وهكذا بالروح القدوس، والمسيح الساكن فينا، والجهاد الأمين، نتنقى من زغل الخطية، ونتكرس للرب يسوع، ونصير مسكنًا للروح القدس! وهذا كله يكمل الإنسان، ويدخل به إلى دائرة مقدسة.
وكيف لنا أن نتكمل وننمو روحيًا بدون المسيح؟! هذا مستحيل!! فالسيد المسيح هو "الكامل" (بأداة التعريف)، أما نحن فقال لنا: "كُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِى فِى السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ" (مت 48:5).
ويقصد بذلك أن نقتدى برب المجد يسوع فى كماله الأسمى غير المحدود، فنأخذ قبسًا منه، عطية منه، هى فعل الروح القدس فى طبيعتنا الإنسانية، الساقطة والمحدودة، من خلال:
1- إيمان : صادق بالرب يسوع. 2- معمودية : فيها نموت ونقوم معه.
3- توبة : أمينة وعميقة ومستمرة، كل أيام الحياة.
4- شبع روحى : مستمر بوسائط النعمة: كالصلوات: (الأجبية والسهمية والحرة) وقراءة الإنجيل (روح وحياة) والتناول المستمر (فنثبت فيه وهو فينا)..
5- جهاد أمين : طول العمر، ضد: - العالم: وما فيه من عثرات..
- والجسد: وما فيه من شهوات. - والشيطان: وما يمارسه من ضغطات..
6- خدمة : تعبر عن حبى لمن فدانى، ومحبتى لأولاده الذين سفك دمه من أجلهم.
7- تكريس : كامل للقلب، ولدى البعض للوقت أيضًا.
8- سكنى وثبات : "اُثْبُتُوا فِىَّ وَأَنَا فِيكُمْ" (يو 4:15).
ثالثًا: تَعَزَّوْا
إن الفرح المسيحى ليس أبدًا فرح الرفاهية والترف، بل هو الفرح
رغم الآلام والضيقات. ولهذا قال الرب: "فِى الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ
وَلَكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ" (يو 33:16).. ضيقات كثيرة تجتاح حياة
المؤمن قال عنها الكتاب: "بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِى أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ" (أع 22:14). أى أن "آلام هذا الزمان الحاضر لاَ تُقَاسُ بِالْمَجدِ الْعَتِيد" (رو 18:8). ضرورة لتنقيتنا وتزكيتنا، وتكميلنا:
- التنقية : كما تنقى أيوب من البر الذاتى بالآلام..
- التزكية : كما تزكى إبراهيم بتقديم إسحق إبنه ذبيحة..
- التكميل : تتميمًا للوصية "اكْمَلُوا" (2كو 11:13). "كُونُوا كَامِلِينَ" (1كو 10:1)..
والكمال المطلق هو لله وحده، أما الكمال النسبى فمطلوب من الإنسان، إذا جاهد حسنًا، وأخذ النعمة الإلهية الأساسية لخلاصنا.. "بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ" (أف 5:2).
إن خلاصنا يكمل بأمرين:
- الجهاد : "إنْ كَانَ أحَدٌ يُجَاهِدُ، لاَ يُكَلَّلُ إنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيًّا" (2تى 5:2).
- النعمة : "بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ" (أف 5:2).
وهذا ما يسميه الآباء السينرجية (synergism) حيث (sy) معًا، (erg) = عمل.. أى أن نعمل معًا: الله والإنسان لخلاص الإنسان!.
لذلك كان الرب صادقًا معنا، حينما أكد لنا أنه: "فِى الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ"
(يو 33:16). وكان مشجعًا لنا حين أضاف: "وَلَكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ" (يو 33:16).
وكلمة "ضِيقٌ" فى الأصول اللغوية القديمة معناها "ما يضيق القلب عن احتماله".. أى أن هناك اضطهادات وآلام ستصيبنا أثناء مسيرتنا الأرضية، أحيانًا يتقبلها لإنسـان بصعوبة، ولكن بإيمان أشار به السيد المسيح لبطرس الرسول حين قال له: "لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ ما أَنَا أَصْنَعُ وَلَكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ" (يو 7:13).. ذلك أنه عرف المعنى العميق لتبعية السيد المسيح، أنها ليست تبعية جبل التجلى فقط، بل جبل الجلجثة أيضًا!! وهكذا رفض بطرس الرسول أن يصلب فى وضع رأسى كسيده، وطلب أن يصلب منكس الرأس!! أما الآن فهو مرفوع الرأس لدى رب المجد، وشفيع قوى للخطاة والتائبين!!
"لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا" (2كو 17:4).
لاحظ المفارقة الكبيرة بين:
- خفة الضيقة.. وثقل المجد!! - زمنية الضيقة.. وأبدية المجد!!
رابعًا: اهْتَمُّوا اهْتِمَامًا وَاحِدًا
وليس للمؤمنين سوى إهتمام واحد، هو الشهادة للمسيح، وانتشار ملكوت الله فى قلوب الناس.. لهذا قال الرسول بولس: "إِذِ الضَّرُورَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَىَّ فَوَيْلٌ لِى إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ"
(1كو 16:9).. الخدمة إذن واجب وليست ترفًا.. مسئولية وليست إمتيازًا!!
وهى التى كانت لا تعطى بولس الرسول نومًا ولا نعاسًا ولا راحة.. وقد عَبَّر عن جهاده هذا فى رسالته الثانية إلى كورنثوس إصحاح 12..
- "أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِى الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ، لِيَلْطِمَنِى لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ" (عدد 7).. البعض يرى أنها حمى الملاريا، أو تعب فى الكبد، أو فى الإبصار.. وهـذه عوائـق حركة الجسد فى الخدمة.. لكن خبرته كانت "تَكْفِيكَ نِعْمَتِى، لأَنَّ قُوَّتِى فِى الضُّعْفِ تُكْمَلُ" (عدد 9) (is completed).. أى أن الإنسان يقدم قوته المحدودة الضعيفة، والرب يضيف عليها قوته غير المحدودة والمجيدة!!
واستمر معلمنا بولس الرسول يخدم حتى لحظـة استشـهاده
ببسالة وأمانة، حتى أنه قال عن نفسه (بالروح القدس):
- "لِذَلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّـرُورَاتِ وَالاِضْطِهَـادَاتِ
وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِـيحِ" (2كو 10:12) (تأمـل هـذه السلسـلة
لو سمحت).. ثم يضيف: "لأَنِّى حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِىٌّ" (2كو 10:12).
وهذه الآية تصلح منهج حياة للإنسان المسيحى والخادم الأمين:
- ضعفات : ضعف جسد أو إبصار.. - شتائم : إهانات مستمرة نالها بولس..
- ضرورات : أن ينام فى العراء، ويركب مراكب تتكسر!! "التراكم علىّ كل يوم، الاهتمام بجميع الكنائس" من خلال رحلاته الجبارة العالمية، فى وقت لم
تكن هناك وسائل سفر غير المراكب والدواب وفى ذلك إرهاق شديد!!
- اضطهادات : تعب، وكد، فى أسهار مرارًا كثيرة، فى جوع وعطش، فى أصوام مرارًا كثيرة، فى برد وعرى.
- أخطار : أخطار لصوص، وأخطار فى البرية، وأخطار فى البحر، وأخطار من أخوة كذبة..
ختامًا : - من يضعف وأنا لم أضعف.. - من يعثر وأنا لا ألتهب..
شعار جبار يرفعه أمامنا بولس الرسول، فنتخلـص مـن السـلبية والتكاسـل
واللامبالاة فى الخدمة، ونتسلح بالغيرة المقدسة التى تجعلنا لا نخدم الرب بأيد مرتعشة!!
- إذا ضعف إنسان وسقط.. كأنى أنا الذى ضعفت وسقطت.. أحيا معه مرارة أحاسيسه، وأساعده بنعمة ربنا على التوبة والنهوض!
- وإذا تعثر إنسان كأنى أنا الذى تعثرت.. وأقوم من كبوتى بسرعة، وأقيمه معى بقوة روح الله، داعيًا إياه إلى التوبة، ومشجعًا إياه على الحياة الروحية والجهاد الأمين!
خامسًا: عِيشُوا بِالسَّلاَمِ
فالسلام سمة الإنسان المسيحى إذ يتمتع "بالسلام الثلاثى" المعروف والفائق:
- سلام مع الله.. - سلام مع الناس.. - سلام مع النفس..
أ- السلام مع الله :
يأتى بالإيمان بالمسيح "فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَـا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ" (رو 1:5). وقد شرح الرسول بولس هذا تفصيلاً فى (رو 8) حين قال:
- "كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ للَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ..
- الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ..
- والَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ فَهَؤُلاَءِ دَعَاهُمْ أَيْضًا..
- وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ فَهَؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا..
- وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ فَهَؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا" (رو 28:8-30).
سلسلة من النعم، جاءت بالتجسد والفداء :
1- دعانا : بالكلمة المقدسة فى الإنجيل!
2- عرفنا : فنحن فى قلبه وذهنه من الأزل!
3- عّيننا : لأنه يعرفنا قبل أن يخلقنا.. لكنه أعطانا حرية إرادة، وعرف أيضًا كيف سنسلك!!
4- بررنا : ببره اللانهائى، فنحن لا بّر لنا !!
5- مجدنا : إذ أعطانا أن نصير:
- أولاد الله.. - وشركاء الطبيعة الإلهية. - وورثة الملكوت..
6- وقدسنا : إذ سكن فينا بروحه القدوس "أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (1كو 16:3).
7- وخلّدنا : "لاَ تَخَفْ أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ"(لو 32:12).
والإنعكاس الحقيقى لتذوق الرب، ورؤيته، والفرح به، وسكناه فى داخلنا، تجعلنا نعيش بالسلام فى كل دوائر الإنتماء التى هى:
أ- الإنتماء الأسرى: أمين وخادم فى أسرتى.
ب- الإنتماء الكنسى: أمين وخادم فى كنيستى.
ج- الإنتماء المجتمعى: أمين وخادم فى مجتمعى.
د- الإنتماء الإنسانى: أمين وخادم للبشرية كلها.. فى وطنى وفى كل العالم..
ب- السلام مع الناس :
فالمسيحية ديانة سلام، تطالب كل البشر: "عِيشُوا بِالسَّلاَمِ،
وَإِلَهُ الْمَحَبَّةِ وَالسَّلاَمِ سَيَكُونُ مَعَكُمْ" (2كو 11:13).
لقد كان كونفوشيوس الزعيم الروحى للصيـن، يعلـم
تلاميذه قائلاً: "كل ما لا تريدون أن يفعل الناس بكم، لا تفعلوا
أنتم أيضًا بهم".. ولكن رب المجد يسوع جاء يطلب منا إيجابية الحب، حينما قال لنا: "كُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ" (مت 12:7). وشتان بين إنسان لا يؤذى أخاه، حتى لا يؤذيه أخوه، وبين إنسان يسلك بالحب الإيجابى، فينشر روح المحبة بين البشر "بِالْمَحَبَّةِ اخْدِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا" (غل 13:5). قال المسيح له المجد: "كُنْ مُرَاضِيًا لِخَصْمِكَ سَرِيعًا مَا دُمْتَ مَعَهُ فِى الطَّرِيقِ" (مت 25:5). وطلب منا قائلاً: "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ" (مت 44:5). فالعدو الحقيقى لنا جميعًا هو الشيطان، ولاشك أن كسر حلقة الشر المفرغة، هو الحلّ الأمثل للمشاكل، أما السلوك العنيف والإنتقامى، فيدخل بالإنسان إلى حلقة جهنمية من الفعل ورد الفعل. لهذا قال الرسول بولس: "فَإِذَا كُنْتُمْ تَنْهَشُونَ وَتَأْكُلُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَانْظُرُوا لِئَلاَّ تُفْنُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا" (غل 15:5).
"إِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هَذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ
عَلَى رَأْسِهِ. لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ" (رو 20:12-21). "اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ
أَبَدًا" (1كو 8:13).
ج- السلام مع النفس :
حيث تتم المصالحة بين مكونات الكيان الإنسانى، فلا يعيش الإنسان فى صراع بين الروح والجسد، إذ يقول الرسول: أنه (بسبب الخطيئة): "لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِى ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهَذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ" (غل 17:5).. لكن أولاد الله ينطبق عليهم القول: "اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ" (غل 16:5).
وأرجو أن يلاحظ القارئ الحبيب "حرف الفاء"، لأن السلوك الروحى نتيجته الطبيعة هى ضبط الجسد!! فالمسيحية ديانة إيجابية لا تحاول قمع الجسد بطريقة سلبية ضارة، لتضعف ما فيه من شهوات، بل هى تنمى الروح، فينضبط الجسد بالقليل من الجهد، حيث يجتهد الإنسان بالصوم والنسك السليم، فى حفظ حواسه، التى هى مداخل الخطيئة! وحينئذ يسير الجسد مع الروح فى طريق واحد، هو طريق القداسة، فيشترك مع الروح فى: أسهار وأصوام وصلوات وميطانيات، بفرح عظيم، كذبيحة حب لله، وكإخضاع من الروح للجسد، فيطيع الجسد الروح، مجاهدًا معها فى طريق الملكوت. وفى النهاية سيقوم هذا الجسد من بين الأموات، جسدًا روحانيًا، نورانيًا، سمائيًا، ممجدًا، ليرث الملكوت مع الروح، فى وحدة إنسانية جميلة، يتمتع فيها الإنسان بخلود مع الله، فى أورشليم السمائية.
وهكذا بعد أن يتم "فداء أجسادنا" يوم القيامة المجيدة (رو 23:8)، "نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ" (2كو 18:3)، لأن الله "الَّذِى سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ" (فى 21:3).. انظر أنشودة الرسول بولس فى هذا المضمار، فى رسالته الأولى إلى كنيسة كورنثوس (1كو 35:15-58)، لتدرك معى ماذا أعطانا المسيح، حينما تجسد لأجلنا وفدانا، وكيف سنلبس أجسادًا روحانية، نحيا بها معه إلى الأبد فى ملكوته.
وما هى مكافأة ذلك ؟
"إِلَهُ الْمَحَبةِ وَالسَّلاَمِ سَيَكُونُ مَعَكُمْ" (2كو 11:13)، وما أعظمها من مكافأة!! لن نأخذ فقط حياة سعيدة على الأرض، ولا حياة أبدية فى الملكوت، بل نأخذ الله نفسه، ليسكن فينا:
- "أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (1كو 16:3).
- "لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فى قُلُوبِكُمْ" (أف 17:3).
- "أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِىّ" (يو 23:17). - "اُثْبُتُوا فِىّ وَأَنَا فِيكُمْ" (يو 4:15).
P ما أجملها من وعود!! P وما أقدسها من حياة!!
P وما أسعدها من مكافأة!!
- نحيا للرب هنا وهناك، من الآن وإلى الأبد!!
- نحيا فى الرب والرب يحيا فينا "اُثْبُتُوا فِى وَأَنَا فِيكُمْ" (يو 4:15).
- نصير هيكلاً للروح القدس، وروح الله يسكن فينا.. "أمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (1كو 16:3).
- نرث الملكوت الأبدى العتيد: "لاَ تَخَفْ أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ" (لو 32:12).
J نقدم إنسانيتنا.. فنأخذ شركة ألوهيته!
J نقدم محدوديتنا.. فيعطينا بلا حدود!
J نقدم ضعفنا.. فيسكب فينا قوته!
J نقدم حياتنا على الأرض.. فيعطينا ملكوته العتيد! له كل المجد،
تعالوا نستمتع بدراسات مهرجان الكرازة 2016، إقترابًا من رب المجد، وإتحادًا
به، وعضوية فى جسده المقدس الكنيسة التى هو رأسها، له كل المجد.
تعالوا نحيا هذه المشاعر، ونحن نتسابق فى المهرجان الذى لا يهدف قطعًا إلى جائزة أرضية، بل إلى الإستعداد للملكوت العتيد.. لنحيا مع الرب إلى الأبد.
- هنا وهناك. - فى الزمن وفى الأبدية.
- فى العالم المحدود والملكوت العتيد.
الرب يبارك هذا المهرجان لمنفعة حياتنا جميعًا، بصلوات راعينا الحبيب قداسة البابا تواضروس الثانى وأحبار الكنيسة الأجلاء ونعمة الرب تشملنا جميعًا.
أولاً: مقدمة السفر
الأمثال هى حديث شيق من الرب، يوجه فيه المؤمن كيف يسلك عمليًا بحكمة فى هذه الحياة، وقد أظهر سليمان هدف هذا السفر فى (أم 2:1،3). إذًا هذا السفر يرينا كيف نعيش بحكمة. ولكن من هو الذى يتعلم الحكمة؟ هو من تعلم من داود حياة الصلاة والتسبيح وسط الضيقات.
الأمثال هى كلمات حكمة مصوغة فى عبارات موجزة فى صيغة سجع (فى اللغة العبرية) وهى من أقدم طرق التعليم. فهى طريقة سهلة وجيدة للتعليم، يسهل حتى على الأطفال حفظها، وقد استخدمها الله كما قلنا لتعليم شعبه، ولكن الشيطان أيضًا استخدم هذه الوسيلة فبث فى العالم الكثير من الأمثال المضللة، لذلك يجب أن يحفظ الإنسان المسيحى الأمثال الواردة فى الكتاب المقدس فقط ويرددها ويعمل بها. على إبن الله أن يحفظ أمثال هذا السفر ويتخذها مرشدًا له فى سلوكه اليومى فى رحلة هذه الحياة، فهى صالحة للوالدين والأبناء، الأزواج والزوجات، الرعاة والرعية، التاجر، الصانع، الناضج، الشاب.. لكل أحد.
سفر الأمثال: ليس مجرد حكمة شخصية لسليمان، بل هو وحى الروح القدس له. لذلك نجد تطابق فى حكمة وأمثال هذا السفر مع تعاليم السيد المسيح ورسله.
وهو سفر سلوكى يساعد على ضبط وتوجيه سلوك الإنسان أثناء حياته اليومية، لذلك إعتاد بعض الناس على قراءة إصحاح يوميًا منه لأن العالم يؤثر فينا بمبادئه وفساده، فنحتاج لكلمة الله التى توجهنا لتصحيح مسارنا، أو ما أسماه بولس الرسول تجديد الذهن فلا ننحرف وراء مبادئ العالم الفاسدة.
ثانيًا: كاتب السفر
كتبه سليمان الملك بوحى من الروح القدس. وسليمان الملك هو إبن الملك داود وهو أيضًا نبيًا إبن نبى. وكان حكيمًا بل لم يكن مثله فى الحكمة، وكان غنيًا لم يكن مثله فى الغنى واتسع سلطانه جدًا. ومع هذا كرس نفسه لدراسة الحكمة وطلبها، وقام بتعليمها للناس. وسليمان سأل الله أن يعطيه حكمة ليقود الشعب فأعطاه الله حكمة وثروة. وبحكمته أدار مملكته وحياته، بل أعطانا خلاصة حكمته لكل البشرية، ولكل العصور، فهو تاجر بوزنته وربح كثيرًا لحساب الله.
سليمان الحكيم :
كان سليمان فيلسوفًا، رجل علم له قدرته العلمية، ومهندسًا، قام بإنشاء الهيكل، كما كان ملكًا. وهو أول واضع لسفر فى الكتاب المقدس، يُذكر اسمه على رأس السفر. لم يكن يوجد أحد من الأنبياء قادرًا على كتابة سفر الأمثال مثله، فقد كانت شهوة قلبه وطلبته الوحيدة لدى الله أن يتمتع بالحكمة. وكان يشتهى أن يتمتع كل المؤمنين، بل كل البشر، بالحكمة السماوية.
ثالثًا: إلى من يُوجه السفر؟
سفر الأمثال، أكثر من غيره، هو سفر الشباب أستخدمت هذه الوسيلة للتعليم فى العصور التى كانت فيها الكتب نادرة جدًا، وباهظة التكلفة. لكن حتى يومنا هذا، فى عصر العلم الحديث، لازال للأمثال أثرها الكبير. تتنافلها الأجيال جيلاً بعد جيل، نتنسمها كالهواء، ونسلك بحكمتها فتصبح حياتنا صالحة ومرضية أمام الله.
رابعًا: مفتاح السفر
مفتاح السفر هو كلمة "الحكمة". وقد أشير إليها 104 مرة فى هذا السفر، ولعل من أفضل العبارات الواردة فى هذا السفر هى: "بَدْءُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ" (10:9)، إذ يدعونا إلى التعليم فى مدرسة الله. كل حكمة حقيقية هى من الله، وتقود إلى الله. أينما وُجدنا، فإن المفتاح الذى يفتح أسرار الحكمة مستقر فى الله.
خامسًا: تاريخ السفر
أغلب الأمثال كتبها سليمان حوالى900 -950 ق.م، وما جمعه حزقيا الملك كان حوالى 700ق.م. لذلك ممكن القول أن السِفر قد جُمع معًا حوالى سنة 700 ق.م.
سادسًا: أهم مواضيع سفر الأمثال
1- الغضب. 2- العفة. 3- البشاشة.
4- الإهتمام بالفقراء. 5- تهذيب الأبناء. 6- محبة المال.
7- الأمهات. 8- مخافة الرب. 9- الصداقة.
10- اللسان. 11- الأمانة. 12- المعرفة.
13- الترفق بالأعداء. 14- العدالة. 15- الحكمة.
سابعًا: أقسام سفر الأمثال
1- وصايا موجهة إلى الشباب (1- 9). 2- وصايا موجهة إلى الجميع (10- 20).
3- وصايا موجهة للقادة (21- 30). 4- وصايا المرأة الفاضلة (31).
ثامنًا: محاور دراسية
1- محاور عن المرأة (أم 9: 13- 18):
"اَلْمَرْأَةُ الْجَاهِلَةُ صَخَّابَةٌ حَمْقَاءُ وَلاَ تَدْرِى شَيْئًا، فَتَقْعُدُ عِنْدَ بَابِ بَيْتِهَا عَلَى كُرْسِيٍّ فِي أَعَالِي الْمَدِينَةِ، لِتُنَادِى عَابِرِى السَّبِيلِ الْمُقَوِّمِينَ طُرُقَهُمْ: مَنْ هُوَ جَاهِلٌ فَلْيَمِلْ إِلَى هُنَا. وَالنَّاقِصُ الْفَهْمِ تَقُولُ لَهُ: الْمِيَاهُ الْمَسْرُوقَةُ حُلْوَةٌ، وَخُبْزُ الْخُفْيَةِ لَذِيذٌ. وَلاَ يَعْلَمُ أَنَّ الأَخْيِلَةَ هُنَاكَ، وَأَنَّ فِى أَعْمَاقِ الْهَاوِيَةِ ضُيُوفَهَا".
?مواصفات المرأة الحمقاء:
1- جاهلة: عكس الحكمة، هى بلا منطق مقبول، ولكنها لا تخاطب سوى الغريزة.
2- صخابة: دائمًا تنادى على الشباب بإغراءاتها.
3- تقعد عند باب بيتها على كرسى فى أعالى المدينة: تجلس كملكة تنتظر فريسة لتسود عليه، تجلس كمن لها سلطان فى الأماكن العالية فى المدينة، ولكن سلطانها هو على كل من يستسلم لها.
? ومن الذين تدعوهم لبيتها ؟
- الشباب المَقومين طرقهم: أى الذين يحاولون التوبة، فهى لا تريد أن تترك فرصة لأحد أن يتوب، وهى تتهمهم ظلمًا بأنهم جهلة، ناقصى الفهم إذ يتركون طريق اللذة الذى تعرضه عليهم هى، طريق التحرر من قيود الوصايا الإلهية.
? إغراءاتها:
- المياه المسروقة حلوة: هى تدعوهم إلى اللذات المحرمة، والإنسان المتمرد يحلو له اللذة المحرمة أكثر من اللذة التى يسمح بها الله. وهى مياه مسروقة، لأنها تحدى لوصايا الله، وكأن سارق اللذة كسر أولاً سور الوصية ليسرق شيئًا حرمه الله.
? "اَلْمَرْأَةُ ذَاتُ النِّعْمَةِ تُحَصِّلُ كَرَامَةً، وَالأَشِدَّاءُ يُحَصِّلُونَ غِنًى.. خِزَامَةُ ذَهَبٍ فِي فِنْطِيسَةِ خِنْزِيرَةٍ الْمَرْأَةُ الْجَمِيلَةُ الْعَدِيمَةُ الْعَقْلِ" (أم 16:11-22):
قوة الرجل وغناه يكونان لكرامته، وفى المقابل فهدوء المرأة ووداعتها يكونان لكرامتها (أبيجايل/ راعوث). فالمرأة الهادئة الوديعة تكون محل تكريم الجميع. فبسبب الزوجة النقية والحكيمة يكرم رجلها، أما التى لا تهتم بأبديتها وخلاصها فتصير كرسيًا للعار، كل من يلتصق بها يخسر كرامته. ولكن كثيرًا ما تحطم المرأة جمالها بعدم حكمتها فيكون حالها كمن يأتى بخزامة ذهب ويضعها فى أنف خنزيرة.
?"اَلْمَرْأَةُ الْفَاضِلَةُ تَاجٌ لِبَعْلِهَا، أَمَّا الْمُخْزِيَةُ فَكَنَخْرٍ فِى عِظَامِهِ" (أم4:12):
المرأة الفاضلة والمرأة المخزية: المرأة الفاضلة تشرق منها سمات كثيرة. هذه بحق تاج لرجلها, أما المرأة الجاهلة والكسلانة فتسبب له عارًا، وتحدره إلى الشيخوخة. فزوج المرأة هو تاجها بينما تاج الزوج هو زوجته. وعندما يكون الرجل وزوجته فى توافق وأبناؤهما فى تربية صالحة، وأهل بيتهما فى تدبير صالح، يشتم الجيران رائحة الإتفاق الحلوة، ومعهم الأصدقاء والأقارب. أما إذا كان الأمرعلى خلاف ذلك, فكل شىء ينقلب ويصير فى إرتباك.
?"حِكْمَةُ الْمَرْأَةِ تَبْنِى بَيْتَهَا، وَالْحَمَاقَةُ تَهْدِمُهُ بِيَدِهَا" (أم 1:14):
المرأة الحكيمة والمرأة الحمقاء: المرأة سواء بكونها زوجة أو أمًا أو أختًا، فهى العمود الفقرى للأسرة, ففى سلطانها أن تبنى بيتها وفى سلطانها أن تهدمه. ليس بجمال الجسد أو بالإمكانيات المادية تقيم المرأة بيتها، وإنما بالحكمة كما بالجهالة والحماقة تهدمه.
المرأة الحكيمة تشجع قريباتها فى مخافة الرب، والمحبة التى فى قلبها نحو إخوتها، ولكن المرأة الجاهلة تحطم بكلماتها المملوءة مرارة و كراهية وشرًا.
? "اَلاِبْنُ الْجَاهِلُ مُصِيبَةٌ عَلَى أَبِيهِ، وَمُخَاصَمَاتُ الزَّوْجَةِ كَالْوَكْفِ الْمُتَتَابِعِ" (أم 13:19):
الوكف: الماء المتساقط كقطرات من سقف غير محكم، أثناء وبعد المطر. وهكذا تُشَّبَهْ المرأة المخاصمة بهذا الوكف لما فى معاشرتها من إزعاج وضجر لرجلها. ونرى هنا إرتباط بين الإبن الجاهل والمرأة كثيرة الشجار والخصام، فكثرة الشجار بين الأباء تولد أبناء غير خاضعين لهم بل لا يحترمونهم.
? "اَلْبَيْتُ وَالثَّرْوَةُ مِيرَاثٌ مِنَ الأبَاءِ، أَمَّا الزَّوْجَةُ الْمُتَعَقِّلَةُ فَمِنْ عِنْدِ الرَّبِّ" (أم 14:19):
البيت والثروة ميراث من الأباء، أما الزوجة الصالحة المتعقلة فمن عند الرب.
ما أبأس البيت الذى يضم أبنًا جاهلاً، وزوجة مخاصمة، فغالبًا ما يتفق الإثنان معًا فحيث توجد خصومات فى الأسرة ينحل الأبناء. قد يرث الإنسان منزلاً أو أرضًا أو أموالاً عن والديه أما الزوجة الحكيمة فهى عطية إلهية يقدمها الرب لمن يعيش بحق روح التقوى وله نظرة صائبة فى مفهوم الزواج ويطلب من الله أن يرشده ويختار له.
2 - محاور عن البيت:
? "لأَنَّ الْمُلْتَوى رِجْسٌ عِنْدَ الرَّبِّ، أَمَّا سِرُّهُ فَعِنْدَ الْمُسْتَقِيمِينَ. لَعْنَةُ الرَّبِّ فِى بَيْتِ الشِّرِّيرِ، لَكِنَّهُ يُبَارِكُ مَسْكَنَ الصِّدِّيقِينَ. كَمَا أَنَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِالْمُسْتَهْزِئِينَ، هَكَذَا يُعْطِى نِعْمَةً لِلْمُتَوَاضِعِينَ. الْحُكَمَاءُ يَرِثُونَ مَجْدًا وَالْحَمْقَى يَحْمِلُونَ هَوَانًا" (أم 32:3-35):
هذه الآيات تحمل مفارقات واضحة بين طريقتين، أحدهما هو طريق يبغضه الرب والطريق الآخر يؤدى للتوافق الحقيقى مع الله:
الملتوى.. رجس عند الرب (أى نجس)
بيت الشرير.. لعنة الله عليه
المستهزئ.. يستهزئ به الله
الحكماء.. يرثون مجدًا
المتواضعين.. يعطيهم نعمة
المستقيم.. له سر الله (رضاه ومحبته) (تك 17:18، مز14:25). الله يعلن له نفسه ومحبته.
مسكن الصديق.. له بركة
الحمقى.. يحملون هوانًا
ليس لدى الله لعنة بل هو مصدر كل بركة، لكن الشرير المصمم على الشر إذ يصر أن يتغرب عن الله، فيحرم نفسه بإرادته من مصدر البركات، فيسقط فى اللعنة التى تتم بسماح إلهى كثمرة العمل الشرير.
? "أَفْكَارُ الصِّدِّيقِينَ عَدْلٌ. تَدَابِيرُ الأَشْرَارِ غِشٌّ. كَلاَمُ الأَشْرَارِ كُمُونٌ لِلدَّمِ، أَمَّا فَمُ الْمُسْتَقِيمِينَ فَيُنَجِّيهِمْ. تَنْقَلِبُ الأَشْرَارُ وَلاَ يَكُونُونَ، أَمَّا بَيْتُ الصِّدِّيقِينَ فَيَثْبُتُ" (أم 5:12-7):
الصديق لا يقبل أن يفكر كيف يدبر شرورًا لأحد، حتى لو أهانه هذا الشخص، هو ربما يتضايق ويحزن ويثور من الإهانة، ولكنه لا يفكر فى تدبير الشر لهذا الشخص. أما الشرير فأفكاره كلها إلتواء، ويدبر مكايد بالغش والكذب ضد الآخرين. والأفكار الصحيحة تنشئ أقوالاً وأفعالاً صحيحة. والعكس صحيح. والله يجازى أصحاب هذه وتلك بحسب أفكارهم. قد يزدهر الأشرار ويبدون ناضجين أصحاء، لهم أبناء يرثونهم، ويخلدونهم، لكن آجلاً أوعاجلاً يكتسحهم الشر ويفقدهم كل شىء، وتهلك نفوسهم، أما الصديقون وإن عانوا من تجارب وآلام غير أن بيتهم يثبت.
? "بَيْتُ الأَشْرَارِ يُخْرَبُ، وَخَيْمَةُ الْمُسْتَقِيمِينَ تُزْهِرُ" (أم 11:14):
لاحظ أنه يعطى للأشرار بيت ويعطى للمستقيم خيمة. والخيمة هى إشارة لحياة الغربة التى يحياها الصديق. أما الشرير فهو بأوهامه فى ثبات هذا العالم، وسعيه الدائم لإرضاء شهواته، وزيادة غناه، كأنه سيحيا للأبد، فهو يظن أنه سيبنى بيتًا ولكنه يبنيه على الرمال. ومع هذا فما تصوره الشرير بيتًا وهو أكثر ثباتًا من الخيمة، سيخرب, وأما خيمة البار فتزهر ببركة الله. "لذلك كان أبونا إبراهيم دائمًا له خيمة ومذبح، الخيمة تشير للغربة عن العالم، أما المذبح فيشير للشركة مع الله".
3 - محاور عن الأولاد :
?"اِسْمَعْ يَا ابْنِى تَأْدِيبَ أَبِيكَ، وَلاَ تَرْفُضْ شَرِيعَةَ أُمِّكَ، لأَنَّهُمَا إِكْلِيلُ نِعْمَةٍ لِرَأْسِكَ، وَقَلاَئِدُ لِعُنُقِك" (أم 8:1-9):
نجد هنا المبدأ الثانى للمعرفة وهو طاعة الوالدين. والمبدأ الأول هو مخافة الله. وطاعة الوالدين هى وصية من الوصايا العشر، وهى أيضًا تعليم للعهد الجديد
فطاعة الوالدين واجبة إذا كانت تعاليمهم فى ضوء مخافة الله. إن الإحترام والطاعة البنوية يخلقان كرامة ومجد وجمال روحى فى حياة الإبن الحكيم. فالطاعة تهب زينة النعمة لرأسه، إكليلاً وتاجًا وقلائد ذهبية ولآلىء.
? "يَا ابْنِى، كُنْ حَكِيمًا وَفَرِّحْ قَلْبِى، فَأُجِيبَ مَنْ يُعَيِّرُنِى كَلِمَةً" (أم 11:27):
الحكمة ينبوع فرح: يشعر سليمان الحكيم بأبوته نحو من يتحدث معه أو يعلمه. ليس ما يفرح قلب الأب مثل أن يكون إبنه، حسب الروح حكيمًا، فيفتخر به. أما إذا رفض الإبن الحكمة وسلك بغباء، فيشعر الأب أنه كمن فى عارٍ وخزى. فحكمة الشخص تجعل وجهه مضيئًا، لكن ليس وجه الجسم، ليس عضوًا فى الجسد، وإنما وجه الشخص الداخلى.. يضىء وجه الإنسان الداخلى بالحكمة، الإبن الحكيم يكون سبب فخر وكرامة للأب والعكس فالجاهل يكون سببًا لتعيير أبيه، لأنه أساء تربيته. "لِكَى يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِى فِى السَّمَاوَاتِ" (مت 16:5).
? "مَنْ يُحِبُّ الْحِكْمَةَ يُفَرِّحُ أَبَاهُ، وَرَفِيقُ الزَّوَانِى يُبَدِّدُ مَالاً" (أم 3:29):
يدعونا سفر الأمثال إلى الدخول فى علاقة حب مع الحكمة. إنه يدخل كما فى علاقة عُرس روحى! أما من يدخل فى صداقة مع الزوانى يبدد ما له، ويفسد حياته. لذا ينصحنا الرسول: "أَمَّا الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا" (2تى 2: 23). فمن يلتصق بزانية يفقد كل شىءٍ، أما من يلتصق بالرب فينعم بالوحدة معه، ويفرح به الآب السماوى كما يفرح به والداه.
? "اَلْعَصَا وَالتَّوْبِيخُ يُعْطِيَانِ حِكْمَةً، وَالصَّبى الْمُطْلَقُ إِلَى هَوَاهُ يُخْجِلُ أُمَّهُ.. أَدِّبِ ابْنَكَ فَيُرِيحَكَ وَيُعْطِى نَفْسَكَ لَذَّاتٍ" (أم 15:29-17):
- الطفل عديم التربية يجلب العار لأبويه، والتدليل ليس علامة محبة، فعاقبته الفشل.
- من يؤدب إبنه يجد راحة فى الوقت المناسب، ويجنى ثمار مفرحة ولذَّات مبهجة للنفس.
- الأب لا يهذب إبنه لو لم يحبه، والمعلم الصالح لا يصلح من شأن تلميذه ما لم يرَ فيه علامات نوال الوعد. عندما يرفع الطبيب عنايته عن مريض، يكون هذا علامة يأسه من شفائه.
إن الحوار الهادئ البناء نافع للأسرة, فيه يحترم كل طرف الأطراف الأخرى ولا يتشبث برأيه: فيتعلم الأبناء روح الحوار المقدس. أما الخصومات والنزاع والغضب وإعتزال الواحد الأخر يفقد البيت حلول السيد المسيح فى وسطهم، كما يفسد روح التقوى فى الكل: الأباء والأبناء. ويبث فى الجيل الجديد روح التمرد والتشبث بالرأى.
يشبه الزوجة المحبة للخصام بقطرات المياه التى تتساقط من سقف البيت بإستمرار دون توقف ، قطرات ماء بلا إنقطاع، فلا يعرفون كيف يعلمون,
أو يستريحون، أو ينامون ببساطة، لأنهم لا يجدون مكانًا مريحًا فى البيت يعيشون فيه.
أخيرًا.. علينا أن نخضع لإرادة الرب، فيقدم الرب للمرأة الزوج حسبما يرى فيه خلاص البيت كله, كذلك لدى الله أبناء وبنات مقدسين أعزاء لديه، يود أن يقدمهم لمن يطلب خاضعًا لمشيئته فيقدم له أولها ما يناسبهما.
كثرت فى أيامنا هذه الأحاديث عن الوحدة المسيحية فى مصر وعودة الكنيسة إلى وحدتها بحسب رغبة ربنا يسوع المسيح.
وفى حقيقة الأمر أن الوحدة الكنسية هى رغبة مُلِّحة وضرورة حتمية، واحتياج عميق لكل إنسان مسيحى.. حيث قال ربنا يسوع المسيح فى مناجاته للآب ليلة آلامه: "احفَظهُمْ فى اسمِكَ الّذينَ أعطَيتَنى، ليكونوا واحِدًا كما نَحنُ... ولَستُ أسألُ مِنْ أجلِ هؤُلاءِ فقط، بل أيضًا مِنْ أجلِ الّذينَ يؤمِنونَ بى بكلامِهِمْ، ليكونَ الجميعُ واحِدًا، كما أنَّكَ أنتَ أيُّها الآبُ فىَّ وأنا فيكَ، ليكونوا هُم أيضًا واحِدًا فينا، ليؤمِنَ العالَمُ أنَّكَ أرسَلتَنى. وأنا قد أعطَيتُهُمُ المَجدَ الّذى أعطَيتَنى، ليكونوا واحِدًا كما أنَّنا نَحنُ واحِدٌ. أنا فيهِمْ وأنتَ فىَّ ليكونوا مُكَمَّلينَ إلَى واحِدٍ، وليَعلَمَ العالَمُ أنَّكَ أرسَلتَنى، وأحبَبتَهُمْ كما أحبَبتَنى" (يوحنا 17: 11، 20-23).
وعندما تكلَّم السيد المسيح عن خراف أُخَر من أماكن أخرى قال: "ولى خِرافٌ أُخَرُ لَيسَتْ مِنْ هذِهِ الحَظيرَةِ، يَنبَغى أنْ آتى بتِلكَ أيضًا فتسمَعُ صوتى، وتَكونُ رَعيَّةٌ واحِدَةٌ وراعٍ واحِدٌ" (يو 16:10).
فلا يمكن أن نفهم الحياة المسيحية إلاَّ على أساسات وحدة الكنيسة، فهى رعية واحدة لراعٍ واحد، والجميع فيها يكونون واحدًا على نفس معيار وحدانية الثالوث (كما أنَّنا نَحنُ واحِدٌ).
والكنيسة مُشبهة فى الكتاب المقدس بجسد، ورأسه المسيح.. فكما أن الرأس واحد فلابد أن يكون الجسد واحدًا وليس اثنان أو ثلاثة فهى كنيسة واحدة، والكنيسة عروس المسيح الواحد.. لذلك فهى عروس واحدة.
1- الرغبة فى الوحدة
والرغبة فى الوحدة الكنسية نجدها متوفرة بزيادة عند الجميع أفرادًا وكنائسًا، الكل يطالبون بالوحدة ويتكلمون عنها ويصلون من أجلها ويعقدون اجتماعات دورية مناشدين تحقيقها.
وهناك أسبوع صلاة عالمى من أجل وحدة الكنيسة يقام سنويًا بتدبير وإشراف مجلس كنائس الشرق الأوسط، ومع ذلك ومع مرور السنوات نرى أن الوحدة لم تتحقق بعد، مما حدا بالبعض أن يعلنوا متوهمين وعلى غير الحقيقة أن الوحدة قد تمت وانتهت بالفعل.
السؤال الأن.. هل فعلاً تمت الوحدة الكنسية؟ وإن كانت قد تمت، فما هى علامات هذه الوحدة؟ وهل هى وحدة حقيقية أم مجرد آمال ورغبة؟ وإن كانت لم تتحقق بعد فما السبب؟ وما المُعطل؟ وكيف نسارع بالخطوات فى سبيل تحقيق الوحدة بالحق؟
والحقيقة أن الوحدة لم تتم بعد، وأن ما أشيع عن تمامها هو من باب الأمنيات الطيبة والرغبات الأمينة المحبة لله وللكنيسة.
فعلامة الوحدة الحقيقية كما تعلمناها من أبائنا القديسين هى الإشتراك فى الذبيحة الواحدة والتناول معًا من نفس المذبح جسد الرب ودمه، وهذا لم يتحقق بعد.. ونصلى بدموع أن يتممه الرب يسوع بروحه القدوس وبمشيئة الآب القدوس.
2- لماذا تتعطل الوحدة؟
دعونا نتكلم بصراحة حتى نواجه الحقيقة.. إن السبب الرئيسى فى تعطيل الوحدة الحقيقية هو اختلاف وجهات النظر فى الكنائس من جهة مفهوم الوحدة. فالبعض يعتبرون الوحدة هى الإندماج فى كنيستهم تحت رئاسة واحدة، والبعض الأخر يعتبرون الوحدة أن نحب بعضنا البعض ونصلى معًا مهما اختلفت عقائدنا وإنتماءاتنا الكنسية (كل واحد يروح كنيسته) وهذا يكفى لإعلان الوحدة، أما البعض الأخر فيركزون على أن الوحدة هى وحدة الإيمان والمذبح والذبيحة والكهنوت.. وبالتالى لا توجد حتى الأن نقطة التقاء فى مُسمى الوحدة نفسه.
- تعالوا أولاً نتفق على معنى الوحدة قبل أن نتكلم عن تحقيقها.
- ما هو المفهوم الكتابى من جهة الوحدة؟
- الوحدة الحقيقية هى وحدة الإيمان.. لأن وحدة الإيمان هو مبدأ كتابى.. ونحن فى مشوار وحدتنا يجب أن نتفق أن يكون الكتاب المقدس مرجعنا فى المفاهيم.
اسمعوا معلمنا القديس بولس الرسول يتكلم عن الوحدة بأى مفهوم: "وهو أعطَى البَعضَ أنْ يكونوا رُسُلاً، والبَعضَ أنبياءَ، والبَعضَ مُبَشِّرينَ، والبَعضَ رُعاةً ومُعَلِّمينَ، لأجلِ تكميلِ القِدّيسينَ لعَمَلِ الخِدمَةِ، لبُنيانِ جَسَدِ المَسيحِ، إلَى أنْ نَنتَهى جميعُنا إلَى وحدانيَّةِ الإيمانِ ومَعرِفَةِ ابنِ اللهِ. إلَى إنسانٍ كامِلٍ. إلَى قياسِ قامَةِ مِلءِ المَسيحِ. كىْ لا نَكونَ فى ما بَعدُ أطفالاً مُضطَرِبينَ ومَحمولينَ بكُلِّ ريحِ تعليمٍ، بحيلَةِ النّاسِ، بمَكرٍ إلَى مَكيدَةِ الضَّلالِ. بل صادِقينَ فى المَحَبَّةِ، نَنمو فى كُلِّ شَىءٍ إلَى ذاكَ الّذى هو الرّأسُ: المَسيحُ" (أف 4: 11-15).
أرجو أن نقف بتأمل وتركيز عند كل كلمة من هذا النص المقدس:
1- توزيع المواهب على خدام الكنيسة هدفه تكميل القديسين، التنوع يكون ثراء داخل الإيمان الواحد والكنيسة الواحدة، والتنوع يكون فى المواهب والخدمات وليس فى الكنائس والإيمان.
2- هدف الخدمة هو بنيان جسد المسيح وليس أجساد المسيح، فهى كنيسة واحدة وليست كنائس متعددة.
3- هدف بنيان الكنيسة الجسد هو أن ننتهى جميعنا إلى وحدانية الإيمان وليس تعدده.
4- وحدانية الإيمان تقودنا إلى معرفة حقيقية صادقة لابن الله، أما الإيمانيات المتعددة فسوف تتوهنا عن معرفة ابن الله (بحسب النص المقدس الذى أمامنا).
5- وحدة الكنيسة بأعضائها المتعددة تقود إلى إنسان كامل هو ربنا يسوع المسيح، فنحن أعضاؤه من لحمه ومن عظامه ولسنا غرباء عنه، وأعضاء الجسد الواحد لابد أن يكون لهم نفس الدم الواحد، وهذا الدم الواحد هو الإيمان الواحد الذى يسرى فى أعضاء الكنيسة.
6- "إلَى قياسِ قامَةِ مِلءِ المَسيحِ" لا تعنى إطلاقًا أن كل واحد بمفرده يصل إلى هذه القامة.. فهيهات أن يصل إنسان إلى قامة ملء المسيح، ولكن النص يعلن أننا كلنا معًا فى جسد واحد هو الكنيسة، نصل معًا فى المسيح وبالإتحاد به إلى قياس قامة ملئه كجماعة مقدسة متحدة معًا وبه.
7- من يعّلم بغير هذا يكون كمن يتكلم بحيلة الناس وبمكر إلى مكيدة الضلال (حسبما جاء فى النص موضع دراستنا).
ونحن كمؤمنين حقيقيين يجب ألاَّ نُخدع بكلام الناس ولا نكون "أطفالاً مُضطَرِبينَ ومَحمولينَ بكُلِّ ريحِ تعليمٍ، بحيلَةِ النّاسِ، بمَكرٍ إلَى مَكيدَةِ الضَّلالِ. بل صادِقينَ فى المَحَبَّةِ، نَنمو فى كُلِّ شَىءٍ إلَى ذاكَ الّذى هو الرّأسُ: المَسيحُ" (أفسس 14:45-15).
8- فيما نكون ناضجين ولا نُحمل بكل ريح تعليم، يجب أن نكون صادقين فى محبة الأخرين حتى لو اختلفنا معهم فى الإيمان أو التفسير أو أى تفاصيل أخرى، فالمحبة تعلو كل شىء.
وهذا يقودنا إلى مبدأ آخر ينبغى أن نتفق عليه وهو:
3- بين الحب والتمسك بالإيمان
لقد اعتدنا فى منطقتنا بالشرق أن نربط الأشخاص بالمواضيع.. فإذا إختلفنا فى موضوع نصير أعداء الأشخاص، وإذا تحاببنا مع الأشخاص نقبل كل أفكارهم ونندمج معها، وهذا خطأ وضد الإنجيل.
لقد علمنا الإنجيل أن نحب كل الناس حتى الأعداء. وإذا سلكنا بحسب المبدأ الذى ذكرته سابقًا ستكون النتيجة إما أن أحب كل الناس وأندمج معهم حتى لو كانت حياتهم وسلوكياتهم وإيمانياتهم تختلف مع قناعاتى ومبادئى، أو العكس سأعادى كل الناس المختلفين معى... لقد تعلمنا من المسيح إلهنا أن نحب المرضى ونخدمهم ولكن ليس معنى ذلك أن نحب المرض.
- تعلمنا أن نحب المسجونين ولكن ليس معناه أن نوافقهم على الجريمة ونشترك معهم فيها.
- تعلمنا أن نحب المُدمنين ونخدمهم ليس لكى يستمروا فى إدمانهم، بل لنشجعهم على الإقلاع عن المواد المخدرة والتعافى منها.
- تعلمنا أن نحب الأعداء ولكننا نبغض العداوة، ونحاول أن نطفئ لهيبها بالحب.
- تعلمنا أن نحب المختلفين معنا فى الدين والإيمان، وهذا ليس معناه أن نشاركهم صلواتهم وأصوامهم وممارساتهم الدينية، بل نحترمهم ونقبلهم دون الإندماج معهم
أو التنازل عن إيماننا الأقدس.
متى نتبنى - كشباب وشعب واع ناضج - أن ننشر هذه الثقافة عمليًا..
المبدأ الأول: "نختلف لكن نتحابب"... "نقبل الآخر لكن لا نذوب فيه".
لا يصح أن نهاجم مَن يتمسك بإيمانه بوعى، ويشرحه بعقل وبمحبة، ولا يصح أن نرهبه ونخيفه بالإتهامات السابق تجهيزها، بأنه متشدد، ومتعصب، ومتطرف، ولا يقبل الأخر، ولا يحب الناس، وأنه يكّفر الآخرين... الخ من الإتهامات المسيئة، والتى تدل على الإفلاس الروحى والعقيدى، وعدم القدرة على مواجهة الحجة بالحجة، والفكر بالفكر..
كذلك لا يجب أن تُفسر محبتنا للأخر على أن الوحدة قد تمت، وقد توافقنا على إيمانيات واحدة مشتركة.
صديقى ابن الكنيسة البار.. عندما نتكلم عن إتمام الوحدة الكنسية يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا ونحترم عقليات الناس وإيمانياتهم.. فأين الوحدة الأن؟
مازلنا نرى أمورًا كثيرة مختلفة ونريد الاتفاق عليها، وهى أمور يعتبرها البعض ثانوية وغير هامة بينما هى أمور أساسية وهامة جدًا فى مفهوم الأخرين.
فمثلاً هناك كنائس بها مذابح وتؤمن بسر الإفخارستيا كأساس لا يمكن الإستغناء عنه، وكنائس أخرى لا يوجد بها مذبح ولا تؤمن أصلاً بوجود مذبح فى المسيحية، ولا تؤمن بحقيقة جسد الرب ودمه. بغض النظر عمَن صح ومَن خطأ... فنحن نتكلم الأن عن الوحدة..
إما أن يُلغى القداس والإفخارستيا ونعترف أن جسد المسيح هو مجرد ذكرى ومثال، أو أن يعترف الجميع بالقداس وحقيقة جسد ودم المسيح، وحتمية التناول منهما، للخلاص وللحياة الأبدية.
فإما نعترف أننا مختلفين ونسعى للوحدة، أو نوهم أنفسنا أننا اتحدنا ونعيش مختلفين بلا معنى. يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع مَن نتكلم معه، ويجب أن نحترم عقليات الناس ولا نشيع شيئًا غير صحيح وغير واقعى.
مبدأ أخر أود أن أضعه أمام أعينكم..
المبدأ الثانى:"نتعاون معًا ولكن لا تقتحم خصوصيتى وتغيرها إلى منهجك"
فيجب أن تُحترم خصوصية كل كنيسة ومنهجها وطريقة الصلاة والتسبيح بها.
أحبائى.. عندما نتكلم عن الوحدة الكنسية دعونا نفكر بمنهج:
4- التدرج فى الوحدة
مع ملاحظة أن الخلاف بين الطوائف المسيحية قد استغرق مئات السنين، حيث أصبح لكل اتجاه مسيحى لغة ومنهجًا لاهوتيًا، خاصًا به وصياغات خاصة به أيضًا، فلكى يتم التفاهم والإتفاق حول العقائد الأساسية يجب أن نصبر ونطيل أناتنا، لأن هذا الأمر قد يستغرق سنوات.
ويجب أيضًا أن نفكر لمنهج التدرج فى الوحدة حتى يتحقق نجاحها الحقيقى
وليس الدعائى..
- أولاً: يجب أن يتصالح الإنسان مع نفسه، ويكون شخصية سوية ومريحة ويتمتع بالوداعة والإتضاع والمحبة للكل، حتى يصدق الناس أنك رسول الوحدة الكنسية.
- ثانيًا: اتحد مع كنيستك المحلية.. فليس من المعقول أنك لا تنتظم فى إجتماع الشباب بكنيستك، ولا تستطيع أن تتعاون مع إخوتك الشباب والخدام، بل تكون دائم الشكوى والتذمر وعدم الرضا، ثم تطالبنى أن أصدقك وأنت تطالب بالوحدة مع أقاصى الأرض.
- ثالثًا: اتحد مع إيبارشيتك والكنائس التى تضمها إيبارشيتك أو منطقة الخدمة الرعوية التى تنتمى إليها.. فأيضًا ليس من المعقول أن تسعى لطلب الوحدة مع الأخرين وأنت لا تتعاون مع كنائس منطقتك فى إجتماع شباب عام، أو يوم روحى، أو مؤتمر، أو مهرجان دراسى، كيف أصدق نيتك العظيمة فى الإتحاد وأنت غير متحد مع كنائس منطقتك أو إيبارشيتك؟
- رابعًا: الترتيب المنطقى.. حينما نرغب فى الوحدة الكنسية هو أن نبدأ مع كنائس الأرثوذكس الأخرين، فنحن الأن فى وحدة تامة مع كنائس السريان، والأحباش والأرمن، والهنود، والإرتريين، وعلينا أن نسعى بكل الجهد للإتحاد مع العائلة الأخرى الأرثوذكسية، وهى مجموعة كنائس الروم وعددها أربعة عشر كنيسة لها إيمان واحد وتقليد مقدس ومجامع كنسية مقدسة، وقد تمت خطوات كثيرة فى سبيل كمال الوحدة معهم، وكما اتفقنا ستكون علامة الوحدة هى الاشتراك فى إفخارستيا واحدة.
صلوا من أجل هذا الأمر.. فالوحدة الأرثوذكسية ستكون أعظم إلهام للعالم، وستكون أقوى أداة فى يد الرب لضرب الإلحاد والوثنية الحديثة والإنحرافات الفكرية.
- خامسًا: وبعد إتمام الوحدة مع كل الأرثوذكس يكون الدور على الوحدة مع الكنيسة الكاثوليكية، وهذا أمل عظيم نتوقع أن يتحقق قريبًا فى ظل وجود قيادات كنسية فى مجموعة كنائسنا الأرثوذكسية، وفى الكنيسة الكاثوليكية ترغب جميعًا فى تجميع الكل إلى إيمان واحد فى المسيح، كما كانت الكنيسة فى عصر أبائنا الرسل.
- سادسًا وأخيرًا: نرجو الوحدة مع إخوتنا البروتستانت الذين نكن لهم كل الحب والإحترام، ونعترف بأفضالهم فى نواحى مسيحية كثيرة، ولكن نرجو أن يكون مرجعنا فى الحوار والتفاهم هو العودة إلى المنابع الأولى للفكر المسيحى، ونستنير بفكر الأباء الأولين فى القرون الأولى، لأن المسيحية لم تبدأ بنا ولن تنتهى إلينا..
لا يمكن أن تقفز على الخطوة الأخيرة دون المرور على الخطوات المنطقية السابقة لها..
علمًا بأن كنيستنا الأرثوذكسية قد بذلت ومازالت تبذل جهودًا جميلة فى سبيل تحقيق الوحدة المسيحية، قد يكون البعض يعرف هذه الجهود، والبعض الأخر لا يعرفها، وذلك على الأقل على مدى الخمسين سنة الماضية.
5- علامات الوحدة المسيحية
أخيرًا أود أن أؤكد على أن علامات الوحدة المسيحية هى:
الاشتراك فى مذبح واحد وكهنوت واحد وإيمان واحد.
أما التعدد فى الممارسة الروحية، والشكل الخارجى والثقافة، وطريقة الوعظ، والترنيم، واللبس، والشكل، فهذه أشياء لا تضير الوحدة فى شىء وليس هو موضوع حوارنا أو إهتمامنا على الإطلاق.
? "فأطلُبُ إلَيكُمْ، أنا الأسيرَ فى الرَّبِّ: أنْ تسلُكوا كما يَحِقُّ للدَّعوَةِ الّتى دُعيتُمْ بها... مُجتَهِدينَ أنْ تحفَظوا وحدانيَّةَ الرّوحِ برِباطِ السَّلامِ. جَسَدٌ واحِدٌ، وروحٌ واحِدٌ، كما دُعيتُمْ أيضًا فى رَجاءِ دَعوَتِكُمُ الواحِدِ. رَبٌّ واحِد، إيمانٌ واحِدٌ، مَعموديَّةٌ واحِدَةٌ، إلهٌ وآبٌ واحِدٌ للكُلِّ، الّذى علَى الكُلِّ وبالكُلِّ وفى كُلِّكُمْ" (أف 4: 1-6).
? "أيُّها الأحِبّاءُ، لا تُصَدِّقوا كُلَّ روحٍ، بل امتَحِنوا الأرواحَ: هل هى مِنَ اللهِ؟ لأنَّ أنبياءَ كذَبَةً كثيرينَ قد خرجوا إلَى العالَمِ" (1يو 1:4)..
إنها طلبة تعنى حياة التسليم للمشيئة الإلهية. أى أننا لا نفرض على الله وضعًا معينًا نحيا فيه. بل ما يريده الله لنا، هو ما نرضاه ونقبله. وفى حياة الإيمان بالله كصانع للخيرات، نفرح بما يشاءه لنا، حتى لو كان عكس ما نرغب. بل نقول له: "لتكن لا مشيئتى بل مشيئتك". "لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ"
(مت 26: 39).
أنت يا رب تعرف الخير النافع لى، أكثر مما أعرف أنا. وأنت تريد لى الخير أكثر مما أريد أنا لنفسى. لذلك فأنا أسلم حياتى بين يديك، تفعل بها كما تشاء، وأكون سعيدًا بذلك.. لا أقول "لتكن مشيئتك" عن تغصب، وإنما عن إقتناع. ولكى تصبح الحياة روحانية توافق مشيئة الله فى السماء.. لها على الأقل أربع صفات:
1- مُنفذة بكل دقة. 2- بلا جدال وبفرح.
3- بسرعة وبلا إبطاء. 4- بإستمرار على الدوام.
إن مشيئة الله منفذة بكل دقة ليس فى السماء فقط، إنما مشيئة الله منفذة على الأرض أيضًا بكل دقة من الطبيعة "بأستثناء الإنسان". كل القوانين التى وضعها الله للطبيعة تسير حسنًا بلا إختلال. لأن الطبيعة خاضعة تمامًا لمشيئته. مثال: انظروا فى قصة يونان النبى:
? أمر الله البحر والأمواج بضرب السفينة ونُفِذَ أمره الإلهى بكل سرعة ودقة.
? أمر حوتًا عظيمًا أن يبتلع يونان ففعل وأمره أن يلفظه سليمًا فلفظه.
? أمر الشمس والرياح أن تضربا اليقطينة فيبست، وأن تضربا يونان فذبل.
الطبيعة فى قصة يونان كانت مُنفذة تمامًا لمشيئة الله. أما الإنسان المتمتع بالحرية والتفكير فلم ينفذ. ليت يونان كان منفذًا لمشيئة الله، كما هى منفذة على الأرض من الطبيعة وليس كما هى منفذة فى السماء، إن كان لم يصل إلى ذلك المستوى.
عبارة "لتكن مشيئتك" كما تحتاج إلى إيمان وطاعة، تحتاج أيضًا إلى إتضاع قلب. إتضاع الإنسان الذى لا يكون حكيمًا فى عينى نفسه (أم 3: 7) إلى الدرجة التى يراجع بها الله فى أوامره ويناقشه، ويقول له: لماذا..؟ ولو أن بعض القديسين كانوا يجادلون الله، عن دالة وليس عصيان، ولا عن شك.. الإنسان المتضع يقبل كل ما يشاءه الله فى ثقة وفى خضوع. أما الذى يعتمد على فكره، فإنه يفحص أعمال الله، بل ويصدر عليها أحكامًا!! ويقبل بعضها، ولا يقبل البعض الأخر! إنه يظن فى نفسه أنه شىء. لذلك يقول الكتاب:
"لاَ تَكُونُوا حُكَمَاءَ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ" (رو 12: 16) ويقول أيضًا: "وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ" (أم 3: 5). الإنسان المتواضع يقول: من أنا يا رب حتى أفحص أعمالك؟! "مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاِسْتِقْصَاءِ!" (رو 33:11).
لا يجوز أن نضع مفاهيمنا كمقياس نقيس به عمل الله. إنما نتقبل ما يعمله بالإيمان، وليس بالفحص. ولا نخضع مشيئة الله لفهمنا البشرى. لأنه ما أعمق النقص فى فهمنا.
?زكا العشار أطاع المشيئة الإلهية بمجرد كلمة.
كان فى مكان الجباية، وفى موضع مسئولية مالية, وبمجرد أن سمع من الرب كلمة "اتْبَعْنِى" (مت9: 9)، حتى ترك كل شىء وتبعه وكذلك باقى الرسل فى دعوتهم، تبعوا الرب وهم لا يعرفون ماذا يكون مستقبلهم معه، ولا ما هو نوع عملهم، أو مكان إقامتهم، أو وضعهم المالى، مثلما يفعل البعض، حينما يدعون للكهنوت. أما أباؤنا الرسل فقابلوا دعوة المسيح بروح عبارة : "لتكن مشيئتك".
فياليت الإنسان يتدرب على عبارة "لتكن مشيئتك" يبدأ مثلاً بإطاعة توجيهات والديه، وإرشادات أب إعترافه، وتعليمات رؤسائه بالعمل. فيتعود تنفيذ مشيئة غيره دون عصيان، ودون تذمر، ودون مناقشة، بل بثقة، وبدون إبطاء. إن فعل هذا سيسهل عليه أن يطيع مشيئة الله، بكل إيمان.. فالحياة الروحية تتركز كلها فى عبارة: "لتكن مشيئتك".
ولكن كيف نعرف إرادة الله فى حياتنا ؟
هناك طرق متعددة تسهل لنا كيف نعرف إرادة الله مثل:
1- الروح القدس الساكن فينا: "أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (ا كو 16:3).
2- الكلمة المقرؤة فى الكتاب المقدس: "وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِى فِى الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (2تى3: 15).
3- الكلمة المسموعة فى العظات: "خِرَافِى تَسْمَعُ صَوْتِى وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِى" (يو10 : 27).
4- الصلاة وطلب معرفة إرادة الله: عن طريق حضور القداسات لطلب مشورة الله،
ويجب علينا نحن أيضًا أن يكون عندنا روح الإفراز والتمييز بين صوت الله, وأى
صوت أخر غيره, "بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرّ" (عب 5: 14).
? تداريب على قبول مشيئة الله :
1- اقبل مشيئة الرب، لكى تأخذ بركة هذا القبول، وتنمو فى حياة التسليم.
2- لا تتكدر بسبب شىء، بل ليملك السلام على قلبك.
3- ليس فقط تقبل مشيئته بالرضى، بل بالأكثر بالشكر والفرح. ونحن فى حياة التسليم لمشيئة الله، نقول للرب مرارًا كل يوم فى صلاة الشكر: " نشكرك على كل حال ومن أجل كل حال وفى كل حال".
4- حينما تقول لله : "لتكن مشيئتك" قولها له من قلبك، وليس بلسانك فقط.
5- إن حياة التسليم تمنح القلب السلام والهدوء. والإنسان الضعيف فى الإيمان، أى حادث يؤلمه، ويزعزع ثقته فى الله، ويتذمرعلى الله، ويصعب عليه أن يقول فى صلاته من قلبه: "لتكن مشيئتك" لكن الكنيسة المملوءة بالإيمان، التى تعودت قبول مشيئة الله, تعلمنا صلاة الشكر, فى كل الصلوات حتى صلاة التجنيز!.
6- الذى تستعبده شهوات أو رغبات معينة، إذا اصطدمت مشيئة الله برغباته، يتضايق لأنه لا يريد سوى رغباته، يسعى إليها ويحرص عليها. وهو مستعد أن يطيع الله داخل رغباته وليس خارجها..! إنه لا يريد أن يخضع لمشيئة الله، بل يريد أن تخضع مشيئة الله لرغباته، وينفذ له الله ما يريده هو، وإلا تسوء علاقته مع الله.
7- الذين يحيون حياة الزهد، سهل عليهم أن يقولوا لله: "لتكن مشيئتك أنت, وإن حدث لنا خطر من مشيئة الناس الخاطئة، فنحن نثق أن مشيئتك الصالحة سوف تتدخل وتبطل مشيئتهم, لأن الأمور كلها فى يديك، أنت يا ضابط الكل، وليس فى أيدى الناس.. ولأن صلوات كثيرة ترتفع إليك لتنقذنا من مشيئات الناس لتكن مشيئتك, أنت وحدك المدبر, وصاحب الأمر, والكل فى يديك وتحت مشيئتك".
إذن ما هى إرادة الله فى خطته لحياتى ؟
يتضح هذا من وصاياه فى الكتاب المقدس فالله يريدنا: أن نعيش فى هذا العالم بتدقيق, وبمحبة لبعضنا البعض, وبحكمة, ونسعى نحو الهدف الذى هو المسيح ونحفظ السلام دون أن ننغرس فى شهوات العالم.
والإنسان فى أغلب الأحيان يسعى وراء رغباته وشهواته ولذاته, وهذه ممكن أن تكون عكس إرادة الله فحينئذ تفشل محاولاتنا نحو هذا الهدف, فأن إتباع مشيئة الله يتطلب الإيمان والعمل والجهاد, والصوم والصلاة, لكى يحقق الله لنا طلباتنا, ورغباتنا, فإرادة الله موجودة لحياة كل إنسان, وليست مشيئته فوق الطبيعة, أو مستحيلة أو معجزية.
ففى إستطاعة الإنسان أن يفهمها ويعرفها كقول بولس الرسول فى (أف 5: 17): "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لاَ تَكُونُوا أَغْبِيَاءَ بَلْ فَاهِمِينَ مَا هِى مَشِيئَةُ الرَّبِّ" إذا نميز بين مشيئة الرب ومشيئتنا بأن: نبتعد عن أفكارنا وميولنا, ورغباتنا الإنسانية, وأن نفكر أولاً بعيدًا عن عاطفتنا.
فأن الشاب وهو يختار شريكة حياته.. لو فكر بعاطفته فأنه يخدع نفسه, إن رغبة الإنسان فى الزواج ليست جسدية فقط, بل هى مبنية على الترابط الروحى, والجسدى, ولا يجب
أن نأخذ بالشكل وتأخذنا العواطف بل يجب أن نحكم العقل والروح, قبل العاطفة لئلا يأخذنا تيار الشهوة.
يوجد بعض من الناس يريدون من الله أن يملى عليهم ما يجب أن يفعلوه, مثل أين يسكنون؟ من يتزوجون؟.. أن الله ليس فى كل الأحيان يعطينا إجابات مباشرة, وواضحة, فهو يعطينا الفرصة للإختيار والإرتياح من خلال الصلاة, والمناسب لنا حسب ظروفنا الشخصية, أيضًا ما يوافق سلامنا الغير معارض لعمل الله فى وصاياه ولكى تكون لنا علاقة مستمرة معه.
أمثلة فى طلب مشيئة الله :
ما أكثر الأمثلة التى يقدمها لنا الكتاب عن حياة التسليم منها :
أولاً: أبينا إبراهيم : قال له الرب فى بدء دعوته: "اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِى أُرِيكَ..." (تك12: 1). فخرج إبراهيم من وطنه حسب أمر الرب له "فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَأْتِى" (عب11: 8).
وأمامه عبارة "لتكن مشيئتك"..ثم كانت مشيئة الرب الأخرى لإبراهيم، فوق الطاقة البشرية!.. حيث قال له: "خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ.. وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِى أَقُولُ لَكَ" (تك 22: 2). فبكر إبراهيم صباحًا جدًا، وأخذ إبنه معه ليقدمه محرقة للرب، وهو الإبن الذى نال به المواعيد، والذى إنتظره من عشرات السنوات.. إبراهيم فى إيمانه بمشيئة الرب، لم يناقش، بل أطاع.
كان يؤمن بصلاح الله، وبمحبته، وبصدق مواعيده, حتى إن ذبح إسحق وقدمه محرقة.. كان يؤمن بقدرة الله على إقامة إسحق من الموت (عب 11: 19). وأيًا كان الأمر لم يضع أمامه أن يفكر، إنما هى مشيئة الرب الصالحة يجب أن تنفذ.
ثانيًا: السيدة العذراء: لم تفكر فى يوم من الأيام أنها ستحبل وتلد. ولكن لما أتتها مشيئة الله، أنها ستكون أمًا، وبطريقة معجزية، قالت للرب: "هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِى كَقَوْلِكَ" (لو1 : 38) وحياة التسليم كانت منهجًا ثابتًا للقديسة العذراء.
لاشك أنها كانت تحب البقاء فى الهيكل، فى حياة الصلاة والتأمل والعبادة، ولكن الرب نقلها إلى أماكن متعددة، من الهيكل، إلى بيت يوسف، إلى بيت لحم، إلى مصر، إلى الناصرة، وهى لا تقول سوى: "لِيَكُنْ لِى كَقَوْلِكَ" (لو38:1) " لتكن مشيئتك".. ومع أن بُشرى الميلاد كانت تحمل معنى الفرح بميلاد مخلص هو المسيح الرب (لو2: 11). حسبما قال الملاك للرعاة: "فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ"..
إلا أنه بدلاً من هذا الفرح، صدر الأمر الإلهى أن تهرب العذراء بهذا المخلص إلى أرض مصر، إلى بلاد غريبة عنها, موضعًا وديانة ولغة، يطردونها فيها, من مدينة إلى أخرى، بسبب تساقط الأصنام (أش 19: 1) لم تحتج على سفرها, وعدم إستقرارها فى موضع، بل كانت فى قلبها تلك التسبحة: "لِيَكُنْ لِى كَقَوْلِكَ".
ثالثًا : الملائكة: أيضًا لا يناقشون مشيئة الله ويسرعون فى تنفيذها بلا إبطاء..
وهكذا يقول عنهم المرتل فى المزمور: "بَارِكُوا الرَّبَّ يَا مَلاَئِكَتَهُ.. الْفَاعِلِينَ أَمْرَهُ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ كَلاَمِهِ" (مز103: 20). وهم ينفذون الأمر مهما كان يبدو عجيبًا, أو شديدًا.. مثل الملاك الذى أمره الرب بضرب كل أبكار مصر (خر12: 13). أو الذى أمره أن يرفع السيف على أورشليم (2 صم 24: 16)..
والإنسان الذى يطيع بلا جدال - مهما كان الأمر - هذا يتشبه بالملائكة. ليس عمل الملاك هو التدبير أو التفكير، إنما عمله أن ينفذ, عمله أن يقول للرب " لتكن مشيئتك".. فملائكة الأبواق، أو ملائكة الضربات، الذين وردت رسالتهم فى سفر الرؤيا (رؤ 8، 9)،
لم يقولوا للرب: يا رب نحن ملائكة للرحمة، وليس للإهلاك أو العقوبة. إعفنا من هذا الأمر! كلا، بل نفذوا ولم يناقشوا..
مفاهيم خاطئة للتسليم وقبول مشيئة الله
1- يجب على الإنسان الروحى أن يسعى للتوفيق بين التسليم لمشيئة الله, وطلب التغيير المستقبلى أو التوفيق بين التسليم فى المرحلة الحالية لمشيئة الله.. والصلاة من أجل التغيير المستقبلى للظروف, والسعى من أجل ذلك.
2- إن الإستسلام لمشيئة الله لا يعنى الإستسلام للألم والمعاناة, مثل شخص فقد زوجته التى رحلت عن هذا العالم، لا يعنى إستسلامه لمشيئة الله أنه يستسلم للحزن، بل قبوله لمشيئة الله يعنى أنه يتمتع بالتعزية, وينتصر على الحزن.
3- الإستسلام لمشيئة الله لا يعنى عدم السعى لتحسين العلاقات مع الأخرين.
4- الإستسلام لمشيئة الله لا يعنى أن نركن إلى الكسل عندما نفقد فرصة معينة ولا نبذل جهودًا للتقدم لفرصة أخرى. مثل شخص تقدم للإرتباط بفتاة معينة، فرفضت هذه الفتاة عرضه للإرتباط. فلا يصاب بالإحباط, ويصاب بعقدة من الزواج بصفة عامة, ويخدعه الشيطان للتفكير بهذه الطريقة, تحت ستار الخضوع لمشيئة الله.
5- شخص مريض ولا يستطيع المشى بسهولة بسبب مرضه. لا يعنى قبوله لمشيئة الله أن يستسلم للألم وللشعور بالعجز, وعدم القدرة على المشى، بل الإيمان يعطيه القوة للإنتصارعلى العقبات, والمشاكل. وتحدى الظروف الصعبة. إنه لا يستسلم للشعور بالمرض, ويستسلم للرغبة فى الكسل والتراخى، ولكنه بالإيمان يحصل على قوة متجددة للمشى حتى لوكان يشعر بالألم. الإيمان يجب أن ينتصر على الألم والشعور بالعجز.
الإرادة الإلهية مصدر فرح لحياتى
إرادة تفرح قلبى :
إن الإنسان حينما يعلم ما هى إرادة الله وينفذها, يجد لديه شعور داخلى بالفرح, فإرادة الله تعطى فرحًا للإنسان حتى وسط الضيقات, وذلك لعلم الإنسان أن كل شىء فيه إرادة الله ينتهى نهاية سعيدة : "اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِى حِينَمَا تَقَعُونَ فِى تَجَارِبَ مُتَنَّوِعَةٍ " (يع 2:1).
إرادة تهيئ نفسى :
إحساسنا أن الله يريد هذا الشىء لنا, يعطى لأنفسنا تهيئة جيدة, مما يعطينا سلامًا داخليًا, لشعورنا أن الله راضٍ بهذا العمل قبل حدوثه.
إرادة تسعد عائلتى :
العائلة التى تطلب مشورة الله فى كل شىء, وتتقبل إرادته فى أمورها الشخصية: فى الفرح والحزن, فى السعة والضيق, فى النجاح والفشل, فى الغنى والفقر, فى الصحة والمرض, إن تقبلت ذلك بشكر فأن ذلك يولد سعادة داخل الأسرة, أما الأسرة التى ترفض إرادة الله وتتذمر عليها، فإن ذلك يؤدى إلى عدم السعادة فى الأسرة، وكم من أسر فقيرة أومتعبة تقبلت ذلك بشكر فأدى ذلك إلى سعادتها.
مـقـدمـة
المحبة هى عطية من الله فهى ثمرة من ثمار الروح القدس"وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُو: مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ..." (غل 22:5). الله هو الذى أعطانا الحب، وعلمنا كيف نحب، وأعظم حب هو حب المسيح الذى بذل نفسه لأجلنا "فِى هَذَا هِى الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا" (1يو4: 10).
الإنسان كائن إجتماعى لا يستطيع العيش بمفرده بدون حب الآخرين "اَلصَّدِيقُ يُحِبُّ فِى كُلِّ وَقْتٍ، أَمَّا الأَخُ فَلِلشِّدَّةِ يُولَدُ" (أم17:17). فالطفل يحتاج الحب من والديه وأقرباؤه ومدرسيه وأصدقاؤه، والزوج يحتاج إلى حب زوجته، والزوجة تحتاج لحب زوجها، وإنعدام الحب فى الأسرة يعن إنعدام السلام فى الأسرة، والإستقرار الأسرى، والجد والجدة يحتاجان لحب من أبنائهم وأحفادهم، ومن أصعب العقوبات أن تعاقب الأم طفلها بوجوده وحده فى الحجرة.
خزان الحب
يبدأ إمتلاء هذا الخزان منذ ولادة الطفل، فالطفل منذ ولادته يحتاج إلى الحب، وهو أول إحتياج للطفل بعد الإحتياج الجسدى (الرضاعة) فهو يحتاج إلى حب أمه والإحساس بالأمان، عن طريق لمساتها له يستطيع سماع ضربات قلبها لذلك يحتاج الطفل إلى الحب حتى تنمو لديه المحبة، ويستطيع فيما بعد أن يفيض على الآخرين.
إذا كان لديك هاتف محمول به رصيد تستطيع عن طريقه الإتصال بالآخر، ولكن لو لم يكن به رصيد لعجزت عن الإتصال، هذا الرصيد هو الحب، فلذلك من الضرورى أن يكون القلب مملوء من الحب حتى يفيض على الأخر ويعطى الحب لمن حوله.
الطفل الذى لا يمتلئ بالحب فى طفولته لا يستطيع أن يعطيه فيما بعد لشريك حياته،
ولا لأولاده فأن فاقد الشىء لا يعطيه، وذلك له تأثير سلبى على الطفل، حيث أنه سيحاول إشباع حاجته للحب من خارج الأسرة، وهنا يدق ناقوس الخطر وجرس الإنذار، لأن الإبن أو الإبنة الفاقدين للحب داخل الأسرة سوف يتجاوبون مع أى كلمة حب خارجية خرجت من شخص قد لا يتفق فى المستوى الإجتماعى أو السن أو الدين، لذلك يجب تجنب هذه المخاطر عن طريق إشباع الطفل عاطفيًا بحب والديه له "اَلنَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ" (أم 7:27).
لغات الحب الخمس
هى طرق متعددة بها يستطيع المحب أن يوصل الحب إلى محبوبه وهذه اللغات هى:
1- الكلمات: وهى طريقة مباشرة للتعبير عن الحب عن طريق الكلام، مثلاً أنى أقول لطفلى: (بحبك) وتتنوع الكلمات فتنقسم إلى:
أ- كلمات تشجعية : الكلمات التشجيعية الإيجابية لها دور كبير مع النفس البشرية حيث أن لها مفعول السحر، فهى تحول الإنسان من حالة الإحباط إلى حالة النجاح، فهى لها قوة دافعة مؤثرة "وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ: أَنْذِرُوا الَّذِينَ بِلاَ تَرْتِيبٍ. شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ، أَسْنِدُوا الضُّعَفَاءَ. تَأَنَّوْا عَلَى الْجَمِيعِ" (1تس 14:5).
ب- كلمات المديح : يجب أن نمدح الشخص على إيجابياته، ولا نركز على السلبيات فقط، ومن أهم إحتياجات النفس البشرية هى سماع كلمات التشجيع، فإن كلمات المديح لها دور كبير فى الإستقرار الأسرى "يَقُومُ أَوْلاَدُهَا وَيُطَوِّبُونَهَا. زَوْجُهَا أَيْضًا فَيَمْدَحُهَا" (أم 31: 28) كما علمنا السيد المسيح عندما تقابل مع المرأة السامرية فأنه أخذ الجزء الإيجابى "قَالَ لَهَا يَسُوعُ: حَسَنًا قُلْتِ لَيْسَ لِى زَوْجٌ" (يو17:4).
ج- كلمات اللطف واللين : لابد من الكلمات اللطيفة والرقيقة, بأسلوب حسن فى الوقت المناسب، وهذا هو أسلوب الإنسان المسيحى "الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ" (1كو 4:13).
2- تكريس الوقت : مع الإنشغال اليومى للوالدين بذهابهم إلى العمل لابد من وجود وقت مخصص للجلوس مع الطفل، ولابد من وجود وقت للحوار بين الزوج والزوجة.
أ- الوقت القيم: هو إعطاء كل من الوالدين كل منهما على حده عشرين دقيقة على الأقل لكل طفل فى اليوم، وهذا الوقت هو وقت حوار بين الأب وطفله، وفيه يستمع الأب أو الأم للطفل وينزل فيه لمستوى الطفل، ويلعب معه، ويجب أن يخصص هذا الوقت لذلك فقط ولا يتخلل هذا الوقت تذكر للدروس أو مشاهدة التلفزيون أو للعقوبة، إنما هو وقت للعب والحوار فقط، وفيه تقال الكلمات التشجيعية البنائة، وكلمات الحب مثلاً أقول للطفل: (أنت حبيبى.. أنا أحبك.. أنت إبنى.. أنت غالى عندى.. أنا أفتخر بك) فى هذا الوقت يشعر الطفل بحبك له.
ب- تكريس الوقت أثناء إحتياج الأخر لى : هناك أوقات يحتاج فيها الأخر لوجود شخص بجانبه أكثر من أى وقت أخر وهذه الأوقات مثل: (وقت مرضه.. يوم عيد ميلاده.. يوم نجاحه).
ج- تكريس الوقت لخروج الزوج والزوجه معًا : لكسر روتين الحياة اليومى من تعب فى تربية الأطفال.. تجهيز الطعام.. إلخ. لذلك يجب أن نتفرغ لمن نحب، وأن نضحى بكل شىء بعض الوقت لأجل التفرغ الكامل له.
3- الأعمال الخدمية : عن طريق الأعمال الخدمية ومساعدة الطفل فى أموره الشخصية يشعر الطفل بحبك له, حيث أن الطفل إنسان غير قادر.. فهو إعتمادى على الأب والأم فى المأكل والمشرب والنظافة الشخصية، وعلينا أن نفعل ما يحبه الأخر "بِالْمَحَبَّةِ اخْدِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا" (غل 13:5).
4- الإتصال البدنى : الحب عن طريق لغة اللمس فى كثير من الأحيان، يكون أكثر فاعلية من لغة الكلام وحدها، فإن يد الطفل والطبطبة له دور كبير فى توصيل الحب من الأباء للأبناء، كما أن نظرات العين eye contact لها لغة حب قوية المفعول.
5- الهدايا : وهى لغة من لغات الحب، ولها قيمة كبيرة فى التعبير عن الحب، والهدايا لغة حب مهمة جدًا فى المناسبات (أعياد الميلاد.. أعياد الزواج.. مكافأة للنجاح) فى كثير من الأحيان تكون الزوجة فى إحتياج لتعبير زوجها عن حبه لها، عن طريق هدية فى المناسبات كعيد ميلادها أوعيد زواجها، فيكون للهدية مفعول السحر عندما يُحضَرها الزوج لزوجته.
الهدية ليست بقيمتها المادية، فمثلاً الورد له قيمة كبيرة فى حد ذاته للتعبير عن الحب، وهذا لا يعنى أن الهدايا المادية تغنى عن الحب عن طريق الكلام وتكريس الوقت للحبيب، إن توفير الأمور المادية لوحدها لا تشبع إحتياج الحب عند النفس البشرية، فالطفل يحتاج لوجود الأب والأم معه، ليس لوجود المادة معهم (بابا أنا عايزك أنت أنا محتاج لحبك لى) "َأَنْتُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ، بَلْ رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ" (أف 4:6).
الحب الغير مشروط
إن أهم مايميز الحب الحقيقى أن يكون غير مشروط، لابد من توصيل الحب لطفلى بأن أقول له: "أنا أحبك لأنك إبنى ليس لكونك ناجح أو متميز أو لحسن عملك أو لمظهرك" ولا يجب أن أقول له: "لو ذاكرت أحبك، لو نجحت أحبك، لو أطعت الكلام أحبك، ولكنى أحبك لأنك أبنى" "مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْفِئَ الْمَحَبَّةَ، وَالسُّيُولُ لاَ تَغْمُرُهَا" (نش 7:8).
أكثر وقت يشعر فيه طفلى بحبى عندما يخطىء ويشعر بالذنب، ويتوقع رد فعل عكسى منى، فيجد حضنى مفتوح فى هذا الوقت، حينئذ يشعر الطفل بالحب الشديد، وهذا لا يعنى عدم تنفيذ العقاب ولكن أعاقبه بعد جرعة الحب.
كيف تملأ خزان طفلك بالحب ؟
املأه بمحبة المسيح
اشبع طفلك بالحب.. شجع ابنك.. استمع إليه.. حاوره.. خذه صديقًا لك.
تميزت الأسرة المصرية بعدة سمات ميزتها عبر العصور المختلفة، فمنذ العصر الفرعونى وصولاً إلى العصر الحديث هناك بعض السمات التى لازمت الأسرة المصرية عبر العصور، بل أن هناك بعض العادات المتوارثة من العصر الفرعونى، والتى مازالت الأسرة المصرية تمارسها حتى الأن منها على سبيل المثال:
1- عادة الإحتفال بسبوع المولود: ففى اليوم السابع يتم إقامة حفل كبير يحضره كل الأقارب والجيران والمعارف، ويتم "زف" المولود إلى خارج البيت تحمله أمـه فـى "منخل" مزين بالورود، وتزداد الزينة إذا كان المولود أنثى، وقبلها بليلة يتم وضع "قلة" بها ماء فى إناء واسع يوضع فيه ماء ويبذر فيه 7 حبات من الفول والأرز، مـن المساء حتى موعد الإحتفال فى اليوم التالى، وذلك تيمنًا بالعمر المديد، والخير الوفير، وفى الإحتفال توزع حلوى خاصة.
2- عادة تبادل المنتجات المنزلية: مثل الخبـز والبسكويت والكحك والمحاصيل
الزراعية وغيرهـا، وهى عـادة فرعونية انتشرت بين مختلف الأسـر عبر الحقب الزمنية حتى بداية عصـر الدولة القبطية التى توارثـت تلك العـادة، ومن ثم تناقلتها عنها الدولة الإسلامية وأستمرت حتى الأن فى الأرياف بوجه خاص.
3- عادة أكل الفسيخ : فهو عاده فرعونية بحتة لا يعرفها أحـد من سكان المعمورة إلا المصريين، وقد توارثوها من أجدادهم الفراعنة.
4- كما أن هناك الكثير من المفردات التى نستخدمها فى حياتنا اليومية الأن، والتى ترجع أصولها إلى اللغة المصرية القديمة مثل كلمة "َمم" وتعنى يأكل، وكلمة "بيصور" وجاءت منها كلمة البيصارة، وكلمات "كانى ومانى" وتعنى لبن وعسل، وهكذا نرى أن هناك العديد من السمات التى اشتركت فيها الأسرة المصرية عبر العصور، والأن نستعرض بشىء من الشرح بعض هذه السمات فى بعض العصور التى مرت على مصر.
أولاً : الأسرة المصرية فى العصر الفرعونى
هناك العديد من السمات التى تميزت بها الأسرة المصرية فى العصر الفرعونى نذكر منها:
أولاً : تكريم الزواج :
كان للزواج فى العصر الفرعونى كرامته الخاصة، وقد عرف المصريون الأسرة كمؤسسة يقودها الزوج، وتساعده فيها الزوجة، ويوجد العديد من النصوص المصرية القديمة التى تؤكد ذلك.. فعلى سبيل المثال: نقرأ فى نص مصرى قديم "اذا كنت شخصًا ذو مكانة فأبحث لنفسك عن زوجة ولتحب زوجتك فى البيت واملأ أحشائها، واكسى ظهرها فلتفرح قلبها مادمت حيًا، أنها حقل طيب لرجلها".
وفى هذا النص نجد وصية للرجل صاحب المكانة الرفيعة أن يتزوج، وهذا يوضح كرامة الزواج عند المصرى القديم، كما نجد فى هذه الوصية حث للزوج أن يهتم بزوجته من ناحية الأكل والشرب والملبس فى قوله: "املأ أحشائها واكسى ظهرها" وتوصية أيضًا أن يهتم بزوجته من الناحية النفسية فى قوله: "فلتُفرح قلبها مادمت حيًا" وهنا يتضح لنا أن المصريين القدماء قد اهتموا بإشباع الإحتياجات النفسية بجانب الإحتياجات الجسدية.
ثانيًا : الزوجة الواحدة :
عرف المصريون القدماء مفهوم الإرتباط بزوجة واحدة، وكان هذا هو الوضع السائد فى أغلب الزيجات، ولم يعرف الفلاحون وعامة الشعب تعدد الزوجات أو زواج الأخ بأخته أو الأب بأبنته إلا فيما ندر، وإن كان هذا قد حدث فى بعض الحالات بين ملوك الفراعنة وعلية القوم.
ثالثًا : كرامة المرأة :
كان للمرأة كرامة خاصة فى مصر القديمة، وقد تمتعت بحقوق مساوية للرجل فى معظم جوانب الحياة، وقد كانت تتعلم فى المدارس مثلها مثل الرجال، كما كانت تشارك زوجها فى العمل فى الحقل. وقد كان لها مكانة كبيرة فى القصر الفرعونى، فكانت ملكة تشارك فى الحكم وتربى النشئ ليخلف عرش أبيه الملك، كما كانت تشارك فى المراسم الكهنوتية فى المعابد.
كما أننا نجد بعض النساء قد وصلن لعرش مصر فى العصر الفرعونى مثل "الملكة حتشبسوت"، والتى كانت الفرعون الخامس فى عصر الأسرة الثامنة عشرة، ويعتبرها علماء المصريات واحدة من أنجح الفراعنة، حاملة للقب أطول من أى إمرأة أخرى فى الأسر المصرية. تميز عهدها بقوة الجيش ونشاط البناء والرحلات البحرية العظيمة، التى أرسلتها للتجارة مع بلاد الجوار.
رابعًا : الإهتمام بالأبناء :
كان الأبناء هم محور حياة الأسرة فى مصر الفرعونية، فلقد أهتم المصريون القدماء بتربية أبنائهم وتعليمهم، ويقول الحكيم بتاح حتب وهو حكيم مصرى قديم عاش فى عصر الدولة القديمة فى مصر الفرعونية. وهو وزير الفرعون (ديد كارع إيزيسى) أحد ملوك الأسرة الخامسة 4500 ق يقول: "إذا كنت رجلاً عاقلاً فليكن لك ولد تقوم على تربيته وتنشئته، فذلك شىء يسرالآلهة.. فإذا إقتدى بك ونسج على منوالك ونظم من شئونك ورعاها، فأعمل له كل ما هو طيب لأنه ولدك وقطعة من نفسك وروحك، ولا تجعل قلبك يجافيه. فإذا ركب رأسه ولم يأبه لقواعد السلوك فطغى وبغى، فقوِّمه حتى يعتدل شأنه ويستقيم قوله، وباعد بينه وبين رفاق السوء حتى لا يفسد".
ونرى فى هذه الوصية حث للأباء أن يقوموا بتربية أبنائهم بالود والمحبة، وكذلك تأديبهم فى حالة الحياد عن الطريق، وكذلك توصى الأباء أن يباعدوا بين أبنائهم ورفاق السوء حتى لا يفسد الأبناء، كما أننا نجد المصريين القدماء قد أهتموا أيضًا بتدريب أبنائهم على أعمال الزراعة، والأعمال الحرفية، لكى يخلف الأبناء أبائهم فى أعمالهم، وصناعتهم وكان الإبن يرث ممتلكات أبيه بعد وفاته، وكان الأب الميت يعتبر حيًا فى شخص إبنه.
خامسًا : إكرام الأبناء لوالديهم :
كان إكرام الوالدين مبدأً هامًا فى الأسرة المصرية القديمة، وقد إهتم الأبناء فى مصر الفرعونية بوالديهم ولا سيما المسنين منهم، وكان الإبن يتحمل مسؤلية والديه الذين تقدما فى العمر، ويهتم بهم ويرعاهم، وأننا نجد فى النصوص المصرية القديمة العديد من الوصايا التى تحض الأبناء على إكرام والديهم، فنجد مثلاً مقولة فرعونية تقول: "إن دعاء الأبناء لن تسمعه السماء إلا إذا خرج من فم الأمهات".
فى رأيك هل سمات الأسرة فى العصر الفرعونى أفضل أم فى عصرنا الحديث؟
ثانيًا : الأسرة المصرية فى العصر القبطى
دخلت المسيحية إلى مصرعلى يد القديس مرقس الرسول فى منتصف القرن الأول الميلادى، وقد آمن على يديه فى بادىء الأمر القديس إنيانوس الإسكافى هو وأسرته، وفى فترة قصيرة تحولت مصر إلى الديانة المسيحية، ولقد أثرت مبادئ وتعاليم المسيحية فى حياة الأسرة القبطية مما أدى إلى زيادة الرقى فى حياة الأسرة، ونجد هذا يتضح من خلال:
أولاً : المساواة الروحية بين الرجل والمرأة :
إن تعاليم المسيحية تؤكد على المساواة بين الرجل والمرأة، فلقد أكد القديس بولس الرسول على تلك المساواة الروحية فى علاقة كل منهما بالمسيح: "لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِى الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (غل28:3). كما وضح بولس الرسول أن للمرأه دورًا متميزًا فى الأسرة فهو يقول فى رسالته الأولى لأهل كورنثوس: "أَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِى مَجْدُ الرَّجُلِ" "غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِى الرَّبِّ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ هِى مِنَ الرَّجُلِ هَكَذَا الرَّجُلُ أَيْضًا هُوَ بِالْمَرْأَةِ" (اكو 12،11،7:11).
كما نجد القديس أكليمنضس السكندرى يتكلم بوضوح شديد عن المساواة بين الرجل والمرأه فيقول: "يمارس كل من الرجل والمرأة الفضائل ذاتها ومن المؤكد أنه إذا كان هناك رب واحد لكليهما، إذا فهناك معلم واحد فقط لكليهما، كنيسة واحدة، فضيلة واحدة تواضع واحد.. وفى هذا النص يشرح القديس أكليمنضس السكندرى كيف أن الرجل والمرأة يتماثلان فى العديد من الأمور الروحية والجسدية، وهذا يدل على المساواة بينهما لكن كل ما سبق لا يعنى أن المرأة والرجل متماثلان بل متكاملان أى أن لكل منهما دور مختلف عن الأخر، ولكنهما يكملان بعضهما البعض.
والمساواة لا تفترض التماثل، لأنّ الكنيسة هى جسد مميَّز، ولكلّ واحد دوره المغاير وليس المتمازج مع الأخر وفى النهاية يؤدّى التكامل بين المرأة والرجل إلى بناء عالم
ليس متساوٍ ومتماثل بل متناغم وموحّد. ولقد أدركت الأسرة المصرية المسيحية
هذا المفهوم وعملت به.
ثانيًا : شريعة الزوجة الواحدة :
تميز الزواج المسيحى منذ بداية دخول المسيحية بشريعة الزوجة الواحدة، فالزواج المسيحى ليس مجرد عقد يمكن فسخه بإرادة أحد الزوجين، أو كليهما بل على العكس من ذلك فالزوجين يرتبطان بفعل سر الزيجة المقدس، وعمل الروح القدس ولا ينفصل هذا الإرتباط إلا بموت أحدهما أو بإرتكاب أحدهما لفعل الزنى الذى يلغى فاعلية السر الذى جعل من الأثنين واحدًا.
وقد شبه الرسول بولس الوحدة بين الزوج والزوجة بذلك السر العظيم الذى هو إتحاد المسيح بالكنيسة "أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا.. يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الإثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. هَذَا السِّرُّ عَظِيمٌ" (أف 32،31،25:5) وقد عاشت الأسرة المسيحية على هذا المبدأ عبر العصور، فكان الزوج المسيحى يلتزم بشريعة الزوجة الواحدة.
ثالثًا : الإهتمام بتربية الأبناء :
إن تعاليم المسيحية تحث على تربية الأبناء تربية حسنة،
ولقد إهتمت الأسرة المصرية فى العصر القبطى بالأطفال
منذ البداية، فكانت تربطهم بالكنيسة منذ ميلادهم عن طريق
المعمودية وممارسة الأسرار الكنسية كما كانوا يطلقون
على أبنائهم أسماء قديسين من الكتاب المقدس، وأهتم الأبوان بتنشأة أبنائهم فى جو روحى إيمانى يتسم بالفضيلة والحب والتعلق بالكنيسة، فيتمسكون بإيمانهم المسيحى، ويترعرعون فى أحضان الكنيسة، وينمون فى الحكمة والنعمة.
ونجد القديس أكليمنضس السكندرى يقدم وصية للأبوين يقول فيها: "علما أولادكما كلمة الرب فى عمق، وضعا بين أيديهم كل سفر من الأسفار المقدسة" ولقد عاش الأباء والأمهات فى الأسرة المصرية فى العصر المسيحى حياة التقوى والفضيلة والتمسك بالإيمان الأرثوذكسى، وقدما من أنفسهما نماذج حية لأبنائهما وبناتهما عن معنى الإيمان المسيحى، وقد تمسكت الأسرة بالصلاة العائلية، والإلتفاف حول الكتاب المقدس فى جلسة عائلية، وكان نتاج ذلك أننا وجدنا أُسر كاملة عندما بدأ عصر الإضطهاد تتقدم إلى الإستشهاد غير مبالية بالآلام، ولا بالحياة نفسها، ومثال لذلك أسرة الشهيدة رفقة وأولادها الخمسة، والأم دولاجى وأولادها الأربعة، والشهيدة دميانة وأبيها الوالى مرقس، والقديسة يوليطه وإبنها كيرياكوس.
رابعًا : إكرام الوالدين :
لاشك أن إهتمام الأباء بتربية أبنائهم التربية المسيحية السليمة قد أدى إلى أن يكرم هؤلاء الأبناء أبائهم، فتعاليم المسيحية تدعو إلى إكرام الوالدين، فالقديس بولس الرسول يقول: "أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِى الرَّبِّ لأَنَّ هَذَا حَقٌّ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، الَّتِى هِى أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ، لِكَى يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ، وَتَكُونُوا طِوَالَ الأَعْمَارِ عَلَى الأَرْضِ" (أف 1:6-3). ولقد أدرك الأبناء المسيحيين أهمية هذه الوصية، فأكرموا والديهم وأهتموا بهم حتى البعيدين منهم عن المسيح، فنحن نقرأ فى قصة إستشهاد القديسة دميانة كيف أنها ذهبت لوالدها عندما علمت أنه أنكر المسيح، وكيف كلمته بكل أدب وإحترام، ولم تسكت إلا بعد أن اقتنع والدها بكلامها وأعترف مرة أخرى بالسيد المسيح ونال إكليل الشهادة.
ثالثًـا : الأسرة المصرية فى العصر الإسلامى
منذ دخول العرب مصر عام 641م نجد الأقباط والمسلمين يتعايشون جنبًا لجنب، ولقد تأثرت حياة الأسرة المصرية سواء كانت مسلمة أو مسيحية بهذا التعايش، الذى أدى إلى إشتراكهم فى العديد من العادات والتقاليد فى الحياة الإجتماعية، ونجد اللورد كرومر المندوب السامى البريطانى عندما أرسل تقريره عن الحالة فى مصر للتاج البريطانى نجده يرسل تقريرًا يقول فيه: "لا تستطيع أن تفرق بين المسلم والمسيحى فى مصر فى عاداتهم وتقاليدهم إلا من خلال شىء واحد وهو أن المسلم يذهب إلى المسجد عند الصلاة والمسيحى يذهب للكنيسة كما نجد (LANE) والذى زار مصر فى مطلع القرن التاسع عشر يقول: "إنى أجد صعوبة أحيانًا فى أن أدرك أى فارق بين قبطى ومسلم مصرى" كما يذكر LANE فى حديثه أن المصريين المسيحيين والمسلمين يتشابهون فى أمور عديدة منها: الملابس، وختان الأطفال، وعادات الزواج والحياة المنزلية. ولعل هذا التشابه بين المسيحيين والمسلمين فى الحياة الأسرية والعادات الإجتماعية، يرجع إلى الحياة الإجتماعية المشتركة والجو الثقافى الذى يعيشون فيه معًا.
وقد لاحظ جورج لوجران هذا أيضًا فقال: "أن المصرى سواء كان مسلمًا أو قبطيًا يتمتع بذات الصفات مما يبدو أنه مغروسًا فى سكان وادى النيل" إلا أنه ليس معنى ما سبق أن الأسرة المسيحية والمسلمة متطابقتان بل هما متشابهان فى معظم السمات مثل الإهتمام بتربية الأبناء، وإكرام الوالدين، وبعض عادات الزواج.
رابعًا : الأسرة المصرية فى العصر الحديث
لم تختلف سمات الأسرة فى العصر الحديث كثيرًا عن سماتها فى باقى العصور، إلا أنه أتت فترة ساء فيها حال الأسرة المصرية، ولاسيما ظهور التمييز السلبى ضد المرأة، إلا أنه على إمتداد العصر الحديث قامت نهضة نسائية عظيمة فى مصر ومن رواد هذه النهضة:
1- البابا كيرلس الرابع (أبو الإصلاح) : الذى أدرك أهمية دور المرأة خاصة فى تربية الجيل الجديد، فاهتم بتعليم البنت كأُم للمستقبل ولكى يكون هناك توافق فكرى وثقافى بين الفتاة والشاب، فأنشأ أول مدرسة للبنات فى حارة السقّايين، وإنضمّت إلى المدرسة بنات من الأقباط واليهود والمسلمين.
2- رفاعة الطهطاوى : الذى نادى بضرورة تعليم البنات مثل البنين، وأعقب ذلك إنشاء مدرسة لتعليم البنات هى مدرسة السيوفية ثم أنشئت مدرسة أخرى للبنات هى (مدرسة السنية).
3- قاسم أمين : الذى طلب بخروج المرأة للحياة العامة وممارسة حقها فى التعليم والعمل، ووجدت هذه الدعوة صدى واسعًا فى عهد الزعيم مصطفى كامل. وعندما قامت ثورة 1919 ضد الإحتلال البريطانى لم تتخلف المرأة عن المشاركة، فلقد اشتركت ثلاثمائة من سيدات وشابات مصر المسلمات والمسيحيات فى مظاهرة السيدات الكبرى فى مارس1919م وعرضن أنفسهن لرصاص المحتل.
وفى يوم 8 يناير1920 إجتمعت أكثر من ألف سيدة مصرية من المسلمات والمسيحيات فى الكاتدرائية المرقسية بكلوت بك، وقمن بتأليف لجنة الوفد المركزية للسيدات، وتم إنتخاب عضوات اللجنة فى قلب الكاتدرائية، وقد إنتخبت هدى شعراوى رئيسة للجنة رغم أنها لم تكن موجودة فى القاهرة، وقد شهد عام 1923 إنشاء الإتحاد النسائى المصرى على يديها ويذكر التاريخ أن الحكومة المصرية أرسلت أول دفعة للطالبات المصريات للخارج للحصول على التعليم العالى عام 1952م، أما عام 1928م فقد شهد دخول أول دفعة من الطالبات جامعة القاهرة.
وفى عام 1942م أسست فاطمة راشد أول حزب سياسى نسائى مصرى، كما تأسس الإتحاد النسائى العربى فى القاهرة "بنت النيل" برئاسة درية شفيق عام 1949م، وقد تبنت الدولة العديد من السياسات خلال السنوات الماضية مما أدى إلى تعزيز وضع المرأة، وتحقيق العديد من المكاسب منها :
1- تولى المرأة منصب القضاء فتم تعيين الأستاذة تهانى الجبالى أول قاضية فى مصر بالمحكمة الدستورية العليا، وهى أعلى درجات السلم القضائى كما بلغ عدد السيدات فى النيابة الإدارية نحو 436 سيدة، وتولت المرأة هيئة النيابة الإدارية لفترتين متتاليتين، واشتركت بعض المستشارات لأول مرة فى الإشراف على اللجان الإنتخابية فى إنتخابات مجلس الشعب عام 2005م، كما بلغ عدد النساء فى هيئة قضايا الدولة 72 إمرأة.
2- تعديل قانون إختيار العمد والمشايخ إستنادًا إلى أنه يتعارض مع مبدأ المساواة، وبالفعل أصبح من حق المرأة أن تشغل منصب العمدة أو شيخ البلد، وقد تحقق ذلك فى قريتين بالريف المصرى.
3- تعديل قانون الجنسية بالقانون رقم 154م لسنة 2004م، وتحقيق المساواة الدستورية بين الأم المصرية والأب المصرى، فى منح الجنسية المصرية لأبناء المصرية المتزوجة من أجنبى.
لاشك أن النهضة النسائية التى حصلت فى العهد الحديث قد ساهمت بالرقى بمستوى الأسرة المصرية، فالمرأة هى عنصر رئيسى من عناصر هذه الأسرة، ورقيها يؤدى إلى رقى الأسرة بأكملها.
إن أهم ما يميز العصر الحديث هو أنه عصر العلم والمعرفة، ولعل أبرز نتيجة لهذه المعرفة هى إنتشار الميديا بكل أنواعها، ويمكننا أن نعرف الميديا بأنها أى وسيلة تستمد منها الجماهير المعلومات التى هى بحاجة إليها.
فالميديا تضم الجرائد والقنوات التليفزيونية بكل أنواعها، والأفلام، والفيديو كليب، والراديو والكتب، والمجلات، والإنترنت، والشبكات الإجتماعية، وألعاب الكومبيوتر، وفى المجمل فإن الميديا هى كل ما يحيط بالمستهلك من وسائل الإمداد بالمعلومات.. وفى الحقيقة فإن الميديا بأنواعها المختلفة وخصوصًا التليفزيون، والإنترنت، والفيديو، أنتشرت فى العقدين الأخيرين بين أغلب فئات المجتمع، على مختلف ثقافاتهم وحالتهم الإجتماعية.
فإن الميديا قد دخلت إلى كل بيت وأنتشرت بطريقة غيرعادية، وخصوصًا بين الشباب وهناك بعض الأشخاص يتعلقون بالميديا بطريقة مرضية، وحتى أنك تجد أحيانًا بعض الشباب لا يقومون من أمام التليفزيون، أوالنت، بل يأكل ويشرب وهو يتصفح الإنترنت أو يشاهد التليفزيون، بل وأصبح النت متاحًا عن طريق التليفون المحمول، حتى أنك ترى بعض الشباب وقد أصبح النت هو شاغلهم الرئيسى طوال اليوم، بل وحتى أيضًا بين الأطفال.
فلقد سألت إحدى الأطفال وعمرها سبع سنوات عن من هم أفراد أسرتها، فكان جوابها أفراد أسرتى هم أبى وأمى وجدتى.. والتليفزيون وهذا الجواب يوضح أن الأطفال أصبحوا يعتقدوا أن وسائل الميديا هى من أهم الأشياء، حتى أن هذه الطفلة ساوت بين أبيها وأمها والتليفزيون، ووضعتهم فى نفس المرتبة. مما سبق يتضح لنا أن للميديا تأثير كبير على الأسرة.. فما هو هذا التاثير؟
تأثير الميديا على الأسرة
لاشك أن للميديا أثار قوية، وواضحة على كل أفراد الأسرة، وهذه الأثار منها ما هو سلبى ومنها ما هو إيجابى.
أولاً: التأثير السلبى للميديا : هناك عدة أثار سلبية للميديا نذكر منها:
1- الإنفصال العاطفى والإجتماعى للأسرة :
أن من أهم الأثار السلبية للميديا هو أنها ساهمت كثيرًا فى إنفصال أفراد الأسرة عن بعضهم إجتماعيًا وشركة وعاطفة وهناك مقولة جميلة: "أن التليفزيون قد يجمع العائلة فيزيائيًا لكنه يفرقها عاطفيًا" وليس هذا فقط بل أننا نجد أن كل فرد منشغل بالميديا، ويتعامل مع الكمبيوتر أوالتليفون المحمول ويبتعد عن أى علاقة مع باقى أفراد أسرته، وكما يقول نيافة الأنبا موسى: "أن الموبايل والنت قرب البعيد، وأبعد القريب".. فقد تجد فى نفس الوقت أن الإبن مشغول بالكمبيوتر ومنعزل فى مكان بمفرده، والزوجة أمام التليفزيون، والزوج يقرأ الجرائد وهكذا.. حتى وقت الأكل الذى كانت تتجمع فيه الأسرة لم يعد كذلك، فتجد الإبن أو الأب يأكل وهو أمام الإنترنت أوالتليفزيون، وكل فرد يأكل فى ميعاد مختلف عن الأخر. لكن "هُوَذَا مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعًا" (مز 1:133)
2- إهدار الوقت :
لاشك أن من أكثر أسباب ضيـاع الوقـت هـو التعلـق بالميديا، فهناك بعض الأشخاص يقضون أغلب وقتهم أمام التليفزيون، أو الإنترنت، وربما يقضون الليل كله على الفيس بوك أو الشات، وقد يصل الأمر إلى إدمان الفيس بوك والإنترنت، وبالطبع فإن هذا يكون على حساب وقت الصلاة والقراءة فى الكتاب المقدس، وعلى حساب وقت المذاكرة، وحينما تسأل أحد هولاء الأشخاص لماذا لا تصلى أو تقرأ فى الكتاب المقدس يجيبك مفيش وقت.
3- تغيير نمط الحياة:
لاشك أن للميديا دور كبير فى تغيير نمط الحياة سواء من الناحية السلوكية أو من الناحية الفكرية، فمن الناحية السلوكية نجد أن الإنشغال الزائد بالميديا قد غير العديد من السلوكيات فى المجتمع، مثل الإفراط فى السهر، وما يتتبعه من الإستيقاظ متأخرًا، كذلك أدى إلى نوع من الآلية وبرودة فى المشاعر، وذلك لأن تعامل الأشخاص أغلب الوقت أصبح مع الآلات مثل الكمبيوتر والتليفزيون والمحمول, مما أدى إفتقاد الأشخاص إلى المشاعر والتعامل بألية.
أما من الناحية الفكرية فلقد أسهمت الميديا فى تغيير بعض الأفكار والمبادىء، فنجد أن بعض الشباب المشغول بالميديا قد تغيرت بعض الأفكار والمبادىء عنده، فتغيرت مفاهيم كثيرة مثل مفهوم الصفوة ومفهوم المثل العليا وغير ذلك من المفاهيم.
4- الأثار النفسية والإجتماعية السلبية على الأطفال:
إن الأطفال هم أكثر الفئات تأثرًا بالميديا، وذلك لأن إدراكهم غير مكتمل، فهم
لا يستطيعون التمييز بين ما هو ضار وما هو مفيد، وهناك العديد من الأثار النفسية والإجتماعية السلبية على الطفل منها:
أ- تنمية السلوك العدوانى لدى الطفل: هناك العديد من الدراسات التى تؤكد أن هناك إرتباطًا قويًا بين مشاهدة البرامج التليفزيونية العنيفة، والسلوك العدوانى للطفل، ولاسيما أبطال أفلام العنف، والأكشن، والمصارعة الحرة، والألعاب الرياضية الخطيرة، ونحن نجد الطفل يميل إلى تقمص شخصيات الأفلام، وقبول العنف كوسيلة لمواجهة بعض المواقف إلى أن يصبح الطفل عنيفًا، وسريع الغضب، وعدوانيًا.
ومن الملاحظ أنه حتى أفلام الكرتون التى من المفروض أنها موجهة للأطفال أصبحت أيضًا مليئة بالعنف، ولا ننسى الأحداث العالمية من إعتداءت بكل صورها والمنشورة يوميًا على الفضائيات والميديا، وأصبحت فى متناولهم فيتأثرون سلباً بالخوف، وإيجاباً بالتقليد..
ب - التأثير السلبى على إستذكار الدروس: أن للميديا تأثير سىء بالنسبة للدراسة والإستذكار فبعض الأطفال يقضون معظم وقتهم أمام التليفزيون والنت ولا يجدون وقتًا لإستذكار دروسهم أو أداء واجباتهم كما أنهم يلتهون عن حفظ الدروس والنصوص المقررة عليهم بحفظ الأغانى والفيديو كليب.
ج - حرمان الطفل من التجربة الحياتية التى تطور من قدراته: فهناك بعض الأطفال الذين يتقوقعون حول التليفزيون أو الكومبيوتر وألعاب الفيديو، وهذا يفقدهم التجربة الحياتية، وتصبح قدرتهم منحصرة فقط فى مهارة إستخدام ذراع ألعاب الفيديو أو ما شابه ذلك و تقليد ما يسمعه أو يراه.
د- إشعال الغرائز والدوافع الجنسية قبل وقت النضج الطبيعى: إن مشاهدة الأطفال الصغار لمشاهد العنف والجنس، قد ينمى فى داخلهم شعور عدوانى ناحية المرأة، كما أنه يشعل فيهم الغرائز الجنسية قبل أوان النضج الطبيعى، كما أنه يفقدهم فضيلة العفة حيث ينشأون على مشاهدة مثل هذه المناظر، وهذا يؤدى إلى إعتيادهم على هذه المناظر ويتشكلون عليها، بعيد عن الأسرة.. ومن ثم سوف لا يشعرون بالخطأ الحرج من مشاهدتها عندما يكبرون.
هـ- تكوين بعض العلاقات الخاطئة: هناك بعض العلاقات الخاطئة التى قد تنشأ عن طريق الشات والإنترنت، والتى من الممكن أيضًا أن تتحول من علاقة عابرة على النت إلى علاقة خاطئة كاملة، يسعى الطفل إلى تنفيذها فى الواقع.
ثانيًا: الأثار الإيجابية للميديا :
إن ماسبق ذكره من أثار سلبية للميديا لا ينفى أن لها أثار إيجابية كبيرة نذكر منها:
1- رفع المستوى الثقافى والعلمى :
مما لاشك فيه أن الميديا ترفع من المستوى الثقافى والعلمى، فالأفلام الوثائقية والثقافية والعلمية التى تنتشر فى القنوات العلمية ترفع من المستوى الثقافى والعلمى للفرد، كما أنه بعد إنتشار النت أصبح من السهل على كل فرد الوصول لأى معلومة يريدها بكل سهولة وأننا نتذكر أنه فى الماضى كان الفرد يعانى للوصول إلى المعلومة، فيضطر للذهاب إلى المكتبة والبحث عن الكتاب الذى يريد البحث فيه عن المعلومة.
وربما يضطر للذهاب إلى أكثر من مكتبة حتى يجد ما يبحث عنه، وربما لا يجد كل ما يبحث عنه، أما الأن فأصبح بالإمكان الوصول إلى أغلب المعلومات وأغلب الكتب بضغطة زر البحث على الإنترنت فنحن فى عصر السماوات المفتوحة، ولكن مع تحفظ أنه كما أنه مصدر للمعلومات ولكن عليك أن تختار وتفرز، وتعرف مصدر المعلومة خاصة ما يخص الأمور اللاهوتية والكتابية والعقائدية والإيمانية، فيجب التأكد من مصدرها حتى لا ننزلق وراء أمور تخالف عقيدة كنيستنا.
2- زيادة الوعى الدينى والروحى :
إن إنتشار القنوات الدينية المسيحية التى دخلت معظم البيوت المسيحية، لاشك أنه قد ساهم فى زيادة الوعى الدينى والروحى والكنسى فلاشك أن القداسات والعظات والبرامج الدينية المختلفة التى أصبحت متاحة على القنوات الدينية، وكذلك على المواقع والمنتديات الدينية أنها تساعد فى النمو المعرفى والروحى للأسرة.
3- تطوير اللغة :
إن الميديا تساهم فى تطوير اللغة، فالذى يستمع إلى الأفلام الأجنبية يتعلم طريقة النطق بلهجة بلد الفيلم، وكذلك أصبح من الممكن أن تستمع لنطق كل كلمة إنجليزية أو أى لغة أجنبية أخرى عن طريق النت وتتعلم كيف تنطقها.
4- الإطلاع على مجريات الأحداث :
لاشك أن العالم بعد إنتشار الميديا قد أصبح قرية صغيرة، وخصوصًا مع إنتشار قنوات الأخبار على التليفزيون وكذلك المواقع الإخبارية على النت، فأنت تستطيع أن تتعرف على مجريات الأحداث التى تحدث فى أى بقعة فى العالم حال حدوثها بل وتستمع أيضًا لتحليلات حول هذه الأحداث.
5- تقوية العلاقات الإجتماعية :
إن إنتشار مواقع التواصل الإجتماعى عبر الإنترنت من الممكن أن يساهم فى تقوية العلاقات الإجتماعية للبعيدين، فهناك بعض الأشخاص الذين يستغلون هذه المواقع فى الإتصال بأقاربهم حتى لو كانوا فى أماكن بعيدة، وتجدهم يتشاركون فى المناسبات العائلية المختلفة مما يساهم فى تقوية العلاقات الإجتماعية.
6- تنمية الإبداع :
هناك بعض الأشخاص الذين لم يجدوا مكانًا لنشر إبداعاتهم مما قتل عندهم روح الإبداع ولكن الآن أصبح من المتاح لهم أن ينشروا إبداعاتهم عن طريق النت، و يراها الناس من مختلف أنحاء العالم، ولاشك أن هذا يساعدهم على تنمية مواهبهم، وأننا نرى أن برامج ومذيعين أصبحوا مشهورين الأن، وكانت بدايتهم مجرد نشر أعمالهم على النت.
7- التاثيرات الإيجابية على الطفل : إن الميديا لها أثارها الإيجابية على الطفل فهى:
1- تزيد من قدرته على التخيل والابداع: فهناك بعض أفلام الكرتون والبرامج الموجهة للأطفال، والتى تنقل الطفل بخياله إلى عوالم أخرى، فينتقل بخياله إلى الفضاء أو إلى أعماق البحر، أو يتنقل بين العصور المختلفة.
2- تنمى مواهبه الفكرية : لاشك أن بعض البرامج التعليمية الموجهة للأطفال تساعد على تنمية المواهب الفكرية والإبداع لدى الأطفال.
3- تساعده على التعلم بشكل أفضل: إن إنتشار الشات حتى بين الأطفال ساعدهم على تعلم القراءة والكتابة بطريقة أفضل، وكذلك إنتشار التعليم الإليكترونى عن طريق أسطوانات البرامج.. كل هذا ساهم فى إنتشار التعليم بطرق مختلفة.
مما سبق يتضح لنا أنه ليس العيب فى الميديا، ذاتها لكن الخطأ هو فى الإستخدام الخاطىء للميديا، فالفيس بوك مثلاً من الممكن إستخدامه فى إنشاء علاقات خاطئة،
أو فى تضييع الوقت، أو فى رؤية أشياء خاطئة، أو نشر أشياء خاطئة، ولكن على الجانب الأخر من الممكن إستخدامه أيضًا فى تنمية العلاقات الإجتماعية، ونشر المعلومات الدينية والثقافية، ومن الممكن إستخدامه كوسيلة إفتقاد فى مدارس الأحد. وبالمثل التليفزيون من الممكن أن أرى فيه أشياء معثرة وأشياء لا قيمة لها، ومن الممكن أن أرى فيه أفلامًا دينية، أو قداسات، أوعظات، وقِس على ذلك العديد من وسائل الميديا.
حاول أن تتعرف على كيفية إستخدام كل وسيلة من وسائل الميديا بطريقة روحية.. ونفذ ما توصلت إليه فى حياتك العملية..
رد فعل الأباء والأمهات على تعلق أبنائهم بالميديا
إن رد فعل الأباء والأمهات على تعلق أبنائهم بالميديا، فى أغلب الأحيان يكون واحد
من ثلاثة هى:
@ يحرمون أبنائهم منها تمامًا. @ يتركون أبنائهم على كامل حريتهم دون أى مراقبة
@يعطون أبنائهم الحرية مع وجود رقابة غير ظاهرة.
ما هو رد فعلك على تعلق أبنائك بالميديا؟
والسؤال الذى يطرح نفسه الآن: هو كيف نستفيد من الميديا وفى نفس الوقت نتجنب أثارها السلبية؟
هناك عدة نصائح نتمكن من خلال تطبيقها من الإستفادة من الميديا، وفى نفس الوقت نتجنب أثارها السلبية، ويستحسن أن يبدأ الوالدين فى تطبيق هذه النصائح مع أبنائهم من مرحلة الطفولة، لأن الطفل حينما يعتاد على شىء سوف يسهل التعامل معه، حينما يدخل مرحلة المراهقة والشباب.
- يجب أن يكون الأب والأم قدوة حسنة لأولادهم: فالإبن حينما يرى أبيه أو أمه يقضون معظم أوقاتهم أمام التليفزيون، أو الإنترنت للتسلية، فمن الطبيعى أن يتعلم منهم، وعندها حتى لو نصحوه بأن يستخدم الميديا بطريقة روحية لن يكون لنصيحتهم صدى لديه، فلابد أن يبدأ الوالدين بأنفسهم أولاً، ولابد أن ينشأ الطفل فى جو نقى وروحى حتى يستطيع أن يتجنب الأثار السلبية للميديا.
- يجب أن يتواصل الوالدين مع أبنائهم ويصغون لهم: فالأبناء يحتاجون إلى التواصل مع والديهم، وأن يصغى الوالدين لهم، لكن حينما يجد الأبناء تجاهل من والديهم يتجهون إلى إشباع إحتياجاتهم عن طريق الإنترنت أو الشات. لماذا لا تحاول أن تكون صديقًا لإبنك على الفيس بوك وبذلك تتواصل معه وتراقبه بدون أن تشعره بذلك
أو تجرحه.. وعلى الوالدين أن يعلموا أن حاجات أبنائهم تتعدى الحاجات الجسدية: كالمأكل والملبس، وإلى الحاجات الذهنية والنفسية والروحية، والتى يجب أن يوفرها الوالدين لأبنائهم.
- يجب أن يضع الأباء بعض الضوابط على أبنائهم: لا يصح أن يترك الأباء أبنائهم على حريتهم فى التعامل مع الميديا، بل يجب أن يضعوا بعض الضوابط التى تنظم تعامل أبنائهم مع الميديا، وفى نفس الوقت لا تحرمهم منها.. تنظيم لا حرمان، يحتاج الوالدين إلى وضع ضوابط وأن يتدخلا فى ما يشاهده أولادهم فى مرونة وفى مناخ غير قمعى يتسم بالحوار والشفافية والمصارحة.
- يجب وضع جدول لأوقات بقاء الطفل أمام التليفزيون أو النت: "توصى الأكاديمية الأمريكية للطفولة بما لايزيد عن ساعة أو ساعتين يوميًا".
- يجب أن يساعد الأباء أطفالهم فى إختيار ما يلائم أعمارهم من برامج وألعاب وفيديوهات وأفلام.
- يجب أن يشبع الأباء إحتياجات أبنائهم: يتجه الأبناء فى الغالب إلى التليفزيون والإنترنت لأنهم لا يجدون وسائل أخرى لإشباع إحتياجاهم لذلك لابد للوالدين أن يشبعوا إحتياجات أبنائهم بطريقة روحية، ولابد أن يحدث ذلك بطريقة تدريجية بمعنى أن يحاول الأباء أن يجعلوا أبنائهم يشتركون فى الرحلات والمؤتمرات الكنسية، وكذلك يعودوهم على حب القراءة.
- يجب أن يعلم الأباء أن القليل من الترويح لا يضر: فهناك بعض الأباء يريدون لأبنائهم أن يكونوا جادين طول الوقت وأن تكون حياتهم كلها مذاكرة، ويرفضون أن يكون هناك أى نوع من أنواع الترفيه أوالترويح، وبالتأكيد فإن هذا الأمر يتعب أبنائهم ويجعل الحياة مؤلمة، لذلك نقول للأباء : قليل من الترويح لن يضر شيئًا بل أنه يجدد الذهن وينقيه.
نقولها للأباء إذا أردتم أن تجعلوا أبنائكم يستفيدون من الميديا ولا
يتأثروا بسلبياتها فأجعلوهم يذوقون أولاً حلاوة المسيح، ويشبعون به، وعندئذ
لن تخافوا عليهم من التأثير السلبى للميديا، فيمكنكم أن تتركوهم مع الميديا وأنتم مطمئنين، فمن ذاق حلاوة المسيح لن يشعر بالشبع إلا من خلال المسيح،
"اَلنَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ" (مز 7:27)
الموضوع الدراسى الأساسى.. مقرر على كل المشتركين فى كل المسابقات.. ويؤدون فيه إمتحانًا فى التصفيات النهائية.. حيث يؤثر النجاح فيه على إظهار النتيجة أو حجبها
"ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ!" هذا هو شعار مهرجان 2016 إن شاء الله..
- "ذُوقُوا.. - انْظُرُوا.. - مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ!" (مز 8:34)..
ذُوقُوا : فالحياة الروحية "تذوق"، أى "إختبار".. وهناك فرق شاسع بين أن تسمع عن طعم العسل، وبين أن تتذوقه فعلاً! "السمع" يجعلك تجول بفكرك وخيالك ومشاعرك، وتعود بإحساس عام.. أما "التذوق" فيجعلك تأخذ هذا "العسل" إلى أعماقك، وإلى أحشائك، فيمتزج بدمك، ويسرى فى عروقك، ويتسلل إلى كل خلايا جسمك!
انظروا ما أطيب الرب :
هكذا رب المجد يسوع!! الذى سمع عنه أيوب كثيرًا، ولكنه لما رآه صاح قائلاً: "بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِى" (أى 5:42)، وهذا ما رآه داود بالإيمان حين قال: "جَعَلْتُ الرَّبَّ أَمَامِى فِى كُلِّ حِينٍ. لأَنَّهُ عَنْ يَمِينِى فَلاَ أَتَزَعْزَعُ! لِذَلِكَ فَرِحَ قَلْبِى وَابْتَهَجَتْ رُوحِى! جَسَدى أَيْضًا يَسْكُنُ مُطْمَئِنًّا!" (مز 8:16-9).
تأمل فى هذه المرحلة المتتالية:
1- رآه بعين الإيمان والرؤيا والنبوة.. 2- ففرح القلب..
3- وتهلل اللسان.. 4- وسكن جسده على رجاء القيامة!
وهذا ما نحتاجه من إختبار لهذا الشعار:
1- أن نؤمن بالرب يسوع القائم من الأموات، والصاعد إلى السموات، والقادم فى المجئ الثانى ليأخذنا إليه!
2- أن نفرح بكل هذه العطايا، وبالأكثر بالعاطى نفسه رب المجد، الذى قال لتلاميذه: "سَأَرَاكُمْ أَيْضًا فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ" (يو 22:16).
3- وينعكس الفرح القلبى على تهليل لسانى، وترانيم وتسابيح "أَمَسْرُورٌ أَحَدٌ؟ فَلْيُرَتِّلْ" (يع 13:5).
4- والمهم أن يصير هذا يقينًا يوميًا وأبديًا..
- أحياه كل يوم.. إذ يقودنى الرب يوميًا فى كل مناحى الحياة..
- وأترجاه بعد القيامة.. إذ أحيا معه وله وبه إلى الأبد فى ملكوته..
"لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ" (أع 28:17).
لهذا جاءت مفردات المهرجان معبرة عن هذا اليقين الإلهى:
1- "افْرَحُوا.. 2- اكْمَلُوا.. 3- تَعَزَّوْا..
4- اهْتَمُّوا اهْتِمَامًا وَاحِدًا.. 5- عِيشُوا بِالسَّلاَمِ.." (2كو 11:13).
أولاً: افْرَحُـــــوا
فالفرح علامة المسيحيين، ومن قديم الزمان قال داود النبى: "لأنهمّ يسكنون جَميعًُا بفرح فيكِ" (مز 87 الأجبية).
- والرب نفسه قال لتلاميذه: "سَأَرَاكُمْ أَيْضًا فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ
وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ" (يو 22:16).
- إن رؤية الرب تشيع الفرح فى جنبات النفس "فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ" (يو 20:20).
- فكم بالحرى سكنى الرب فى داخل القلب!! سيكون الفرح ميراثًا، ويكون القلب ملكوتًا!!
- "هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ" (لو 21:17).
- معروف أن الفرح هو ثمرة من ثمار الروح القدس "افْرَحُوا.. اكْمَلُوا.. تَعَزَّوْا" (2كو 11:13).
- ومعروف أن الفرح هو سمة الإنسان المسيحى بسبب ارتباطـه الوثيق بالرب يسوع الذى قال: "سَأَرَاكُمْ أَيْضًا فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ" (يو 22:16).
لكن ما هى سمات الفرح المسيحى ؟
? هو أسمى من "اللذة" (Pleasure) : فاللذة مرتبطة، بالحسيات، سواء لذة الجسد، أو جمع المال، أو المناصب.. كلها مرتبطة بالجسد والشهوات النفسية.. واللذة - عمومًا - مؤقتة وزائلة، وكثيرًا ما يعقبها "الندم" (Sense of guilt).. حيث لا توجد خطيئة بدون ندم واحساس بالذنب، وهذا ما نختبره كلما سقطنا فى خطيئة، إذ تتحول اللذة إلى مرارة! ونحتاج إلى التوبة لكى تعود إلينا فرحتنا!
? وهو أسمى من "السعادة" (Happiness) : فالسعادة - كما يبدو من الكلمة الإنجليزية - مرتبطة بأحداث معينة تجعلنى سعيدًا (Happenings) مثل النجاح الدراسى أو العملى أو المادى.. الخ.
? وهو ثمرة من ثمار الروح القدس : التى ذكرها معلمنا بولـس فـى رسالته إلى كنيسة غلاطية: "وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ.." (غل 22:5-23).
وثمار الروح هى من فعل الروح القدس الساكن والعامل فينا، وروح الله ثماره إلهية الطابع، والمصدر، ولذلك فهى تأخذ من إلهنا الصالح نوعًا من النقاء والتسامى، الذى يفوق جنس البشر!..
هكذا "فرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ" (يو 20:20).. وهكذا قال لهم: "سَأَرَاكُمْ أَيْضًا فَتَفرَحُ قُلوبُكُمْ وَلاَ يَنزِعُ أَحدٌ فرَحَكُمْ منْكُمْ" (يو 22:16).. ومن القديم تنبأ عن ذلك داود قائلاً: "لأنهمّ يسكنون جَميعًُا بفرح فيكِ" (مز 87 الأجبية).
ثانيًا: اكْمَلُوا
الإنسان الذى يقتنى روح الله داخله، ويسكنه المسيح، سيكون بالضرورة "ملكوتًا" فالملكوت هو أى مكان يسكن فيه الملك!! وهكذا بالروح القدوس، والمسيح الساكن فينا، والجهاد الأمين، نتنقى من زغل الخطية، ونتكرس للرب يسوع، ونصير مسكنًا للروح القدس! وهذا كله يكمل الإنسان، ويدخل به إلى دائرة مقدسة.
وكيف لنا أن نتكمل وننمو روحيًا بدون المسيح؟! هذا مستحيل!! فالسيد المسيح هو "الكامل" (بأداة التعريف)، أما نحن فقال لنا: "كُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِى فِى السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ" (مت 48:5).
ويقصد بذلك أن نقتدى برب المجد يسوع فى كماله الأسمى غير المحدود، فنأخذ قبسًا منه، عطية منه، هى فعل الروح القدس فى طبيعتنا الإنسانية، الساقطة والمحدودة، من خلال:
1- إيمان : صادق بالرب يسوع. 2- معمودية : فيها نموت ونقوم معه.
3- توبة : أمينة وعميقة ومستمرة، كل أيام الحياة.
4- شبع روحى : مستمر بوسائط النعمة: كالصلوات: (الأجبية والسهمية والحرة) وقراءة الإنجيل (روح وحياة) والتناول المستمر (فنثبت فيه وهو فينا)..
5- جهاد أمين : طول العمر، ضد: - العالم: وما فيه من عثرات..
- والجسد: وما فيه من شهوات. - والشيطان: وما يمارسه من ضغطات..
6- خدمة : تعبر عن حبى لمن فدانى، ومحبتى لأولاده الذين سفك دمه من أجلهم.
7- تكريس : كامل للقلب، ولدى البعض للوقت أيضًا.
8- سكنى وثبات : "اُثْبُتُوا فِىَّ وَأَنَا فِيكُمْ" (يو 4:15).
ثالثًا: تَعَزَّوْا
إن الفرح المسيحى ليس أبدًا فرح الرفاهية والترف، بل هو الفرح
رغم الآلام والضيقات. ولهذا قال الرب: "فِى الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ
وَلَكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ" (يو 33:16).. ضيقات كثيرة تجتاح حياة
المؤمن قال عنها الكتاب: "بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِى أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ" (أع 22:14). أى أن "آلام هذا الزمان الحاضر لاَ تُقَاسُ بِالْمَجدِ الْعَتِيد" (رو 18:8). ضرورة لتنقيتنا وتزكيتنا، وتكميلنا:
- التنقية : كما تنقى أيوب من البر الذاتى بالآلام..
- التزكية : كما تزكى إبراهيم بتقديم إسحق إبنه ذبيحة..
- التكميل : تتميمًا للوصية "اكْمَلُوا" (2كو 11:13). "كُونُوا كَامِلِينَ" (1كو 10:1)..
والكمال المطلق هو لله وحده، أما الكمال النسبى فمطلوب من الإنسان، إذا جاهد حسنًا، وأخذ النعمة الإلهية الأساسية لخلاصنا.. "بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ" (أف 5:2).
إن خلاصنا يكمل بأمرين:
- الجهاد : "إنْ كَانَ أحَدٌ يُجَاهِدُ، لاَ يُكَلَّلُ إنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيًّا" (2تى 5:2).
- النعمة : "بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ" (أف 5:2).
وهذا ما يسميه الآباء السينرجية (synergism) حيث (sy) معًا، (erg) = عمل.. أى أن نعمل معًا: الله والإنسان لخلاص الإنسان!.
لذلك كان الرب صادقًا معنا، حينما أكد لنا أنه: "فِى الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ"
(يو 33:16). وكان مشجعًا لنا حين أضاف: "وَلَكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ" (يو 33:16).
وكلمة "ضِيقٌ" فى الأصول اللغوية القديمة معناها "ما يضيق القلب عن احتماله".. أى أن هناك اضطهادات وآلام ستصيبنا أثناء مسيرتنا الأرضية، أحيانًا يتقبلها لإنسـان بصعوبة، ولكن بإيمان أشار به السيد المسيح لبطرس الرسول حين قال له: "لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ ما أَنَا أَصْنَعُ وَلَكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ" (يو 7:13).. ذلك أنه عرف المعنى العميق لتبعية السيد المسيح، أنها ليست تبعية جبل التجلى فقط، بل جبل الجلجثة أيضًا!! وهكذا رفض بطرس الرسول أن يصلب فى وضع رأسى كسيده، وطلب أن يصلب منكس الرأس!! أما الآن فهو مرفوع الرأس لدى رب المجد، وشفيع قوى للخطاة والتائبين!!
"لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا" (2كو 17:4).
لاحظ المفارقة الكبيرة بين:
- خفة الضيقة.. وثقل المجد!! - زمنية الضيقة.. وأبدية المجد!!
رابعًا: اهْتَمُّوا اهْتِمَامًا وَاحِدًا
وليس للمؤمنين سوى إهتمام واحد، هو الشهادة للمسيح، وانتشار ملكوت الله فى قلوب الناس.. لهذا قال الرسول بولس: "إِذِ الضَّرُورَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَىَّ فَوَيْلٌ لِى إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ"
(1كو 16:9).. الخدمة إذن واجب وليست ترفًا.. مسئولية وليست إمتيازًا!!
وهى التى كانت لا تعطى بولس الرسول نومًا ولا نعاسًا ولا راحة.. وقد عَبَّر عن جهاده هذا فى رسالته الثانية إلى كورنثوس إصحاح 12..
- "أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِى الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ، لِيَلْطِمَنِى لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ" (عدد 7).. البعض يرى أنها حمى الملاريا، أو تعب فى الكبد، أو فى الإبصار.. وهـذه عوائـق حركة الجسد فى الخدمة.. لكن خبرته كانت "تَكْفِيكَ نِعْمَتِى، لأَنَّ قُوَّتِى فِى الضُّعْفِ تُكْمَلُ" (عدد 9) (is completed).. أى أن الإنسان يقدم قوته المحدودة الضعيفة، والرب يضيف عليها قوته غير المحدودة والمجيدة!!
واستمر معلمنا بولس الرسول يخدم حتى لحظـة استشـهاده
ببسالة وأمانة، حتى أنه قال عن نفسه (بالروح القدس):
- "لِذَلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّـرُورَاتِ وَالاِضْطِهَـادَاتِ
وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِـيحِ" (2كو 10:12) (تأمـل هـذه السلسـلة
لو سمحت).. ثم يضيف: "لأَنِّى حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِىٌّ" (2كو 10:12).
وهذه الآية تصلح منهج حياة للإنسان المسيحى والخادم الأمين:
- ضعفات : ضعف جسد أو إبصار.. - شتائم : إهانات مستمرة نالها بولس..
- ضرورات : أن ينام فى العراء، ويركب مراكب تتكسر!! "التراكم علىّ كل يوم، الاهتمام بجميع الكنائس" من خلال رحلاته الجبارة العالمية، فى وقت لم
تكن هناك وسائل سفر غير المراكب والدواب وفى ذلك إرهاق شديد!!
- اضطهادات : تعب، وكد، فى أسهار مرارًا كثيرة، فى جوع وعطش، فى أصوام مرارًا كثيرة، فى برد وعرى.
- أخطار : أخطار لصوص، وأخطار فى البرية، وأخطار فى البحر، وأخطار من أخوة كذبة..
ختامًا : - من يضعف وأنا لم أضعف.. - من يعثر وأنا لا ألتهب..
شعار جبار يرفعه أمامنا بولس الرسول، فنتخلـص مـن السـلبية والتكاسـل
واللامبالاة فى الخدمة، ونتسلح بالغيرة المقدسة التى تجعلنا لا نخدم الرب بأيد مرتعشة!!
- إذا ضعف إنسان وسقط.. كأنى أنا الذى ضعفت وسقطت.. أحيا معه مرارة أحاسيسه، وأساعده بنعمة ربنا على التوبة والنهوض!
- وإذا تعثر إنسان كأنى أنا الذى تعثرت.. وأقوم من كبوتى بسرعة، وأقيمه معى بقوة روح الله، داعيًا إياه إلى التوبة، ومشجعًا إياه على الحياة الروحية والجهاد الأمين!
خامسًا: عِيشُوا بِالسَّلاَمِ
فالسلام سمة الإنسان المسيحى إذ يتمتع "بالسلام الثلاثى" المعروف والفائق:
- سلام مع الله.. - سلام مع الناس.. - سلام مع النفس..
أ- السلام مع الله :
يأتى بالإيمان بالمسيح "فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَـا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ" (رو 1:5). وقد شرح الرسول بولس هذا تفصيلاً فى (رو 8) حين قال:
- "كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ للَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ..
- الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ..
- والَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ فَهَؤُلاَءِ دَعَاهُمْ أَيْضًا..
- وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ فَهَؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا..
- وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ فَهَؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا" (رو 28:8-30).
سلسلة من النعم، جاءت بالتجسد والفداء :
1- دعانا : بالكلمة المقدسة فى الإنجيل!
2- عرفنا : فنحن فى قلبه وذهنه من الأزل!
3- عّيننا : لأنه يعرفنا قبل أن يخلقنا.. لكنه أعطانا حرية إرادة، وعرف أيضًا كيف سنسلك!!
4- بررنا : ببره اللانهائى، فنحن لا بّر لنا !!
5- مجدنا : إذ أعطانا أن نصير:
- أولاد الله.. - وشركاء الطبيعة الإلهية. - وورثة الملكوت..
6- وقدسنا : إذ سكن فينا بروحه القدوس "أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (1كو 16:3).
7- وخلّدنا : "لاَ تَخَفْ أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ"(لو 32:12).
والإنعكاس الحقيقى لتذوق الرب، ورؤيته، والفرح به، وسكناه فى داخلنا، تجعلنا نعيش بالسلام فى كل دوائر الإنتماء التى هى:
أ- الإنتماء الأسرى: أمين وخادم فى أسرتى.
ب- الإنتماء الكنسى: أمين وخادم فى كنيستى.
ج- الإنتماء المجتمعى: أمين وخادم فى مجتمعى.
د- الإنتماء الإنسانى: أمين وخادم للبشرية كلها.. فى وطنى وفى كل العالم..
ب- السلام مع الناس :
فالمسيحية ديانة سلام، تطالب كل البشر: "عِيشُوا بِالسَّلاَمِ،
وَإِلَهُ الْمَحَبَّةِ وَالسَّلاَمِ سَيَكُونُ مَعَكُمْ" (2كو 11:13).
لقد كان كونفوشيوس الزعيم الروحى للصيـن، يعلـم
تلاميذه قائلاً: "كل ما لا تريدون أن يفعل الناس بكم، لا تفعلوا
أنتم أيضًا بهم".. ولكن رب المجد يسوع جاء يطلب منا إيجابية الحب، حينما قال لنا: "كُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ" (مت 12:7). وشتان بين إنسان لا يؤذى أخاه، حتى لا يؤذيه أخوه، وبين إنسان يسلك بالحب الإيجابى، فينشر روح المحبة بين البشر "بِالْمَحَبَّةِ اخْدِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا" (غل 13:5). قال المسيح له المجد: "كُنْ مُرَاضِيًا لِخَصْمِكَ سَرِيعًا مَا دُمْتَ مَعَهُ فِى الطَّرِيقِ" (مت 25:5). وطلب منا قائلاً: "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ" (مت 44:5). فالعدو الحقيقى لنا جميعًا هو الشيطان، ولاشك أن كسر حلقة الشر المفرغة، هو الحلّ الأمثل للمشاكل، أما السلوك العنيف والإنتقامى، فيدخل بالإنسان إلى حلقة جهنمية من الفعل ورد الفعل. لهذا قال الرسول بولس: "فَإِذَا كُنْتُمْ تَنْهَشُونَ وَتَأْكُلُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَانْظُرُوا لِئَلاَّ تُفْنُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا" (غل 15:5).
"إِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هَذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ
عَلَى رَأْسِهِ. لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ" (رو 20:12-21). "اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ
أَبَدًا" (1كو 8:13).
ج- السلام مع النفس :
حيث تتم المصالحة بين مكونات الكيان الإنسانى، فلا يعيش الإنسان فى صراع بين الروح والجسد، إذ يقول الرسول: أنه (بسبب الخطيئة): "لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِى ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهَذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ" (غل 17:5).. لكن أولاد الله ينطبق عليهم القول: "اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ" (غل 16:5).
وأرجو أن يلاحظ القارئ الحبيب "حرف الفاء"، لأن السلوك الروحى نتيجته الطبيعة هى ضبط الجسد!! فالمسيحية ديانة إيجابية لا تحاول قمع الجسد بطريقة سلبية ضارة، لتضعف ما فيه من شهوات، بل هى تنمى الروح، فينضبط الجسد بالقليل من الجهد، حيث يجتهد الإنسان بالصوم والنسك السليم، فى حفظ حواسه، التى هى مداخل الخطيئة! وحينئذ يسير الجسد مع الروح فى طريق واحد، هو طريق القداسة، فيشترك مع الروح فى: أسهار وأصوام وصلوات وميطانيات، بفرح عظيم، كذبيحة حب لله، وكإخضاع من الروح للجسد، فيطيع الجسد الروح، مجاهدًا معها فى طريق الملكوت. وفى النهاية سيقوم هذا الجسد من بين الأموات، جسدًا روحانيًا، نورانيًا، سمائيًا، ممجدًا، ليرث الملكوت مع الروح، فى وحدة إنسانية جميلة، يتمتع فيها الإنسان بخلود مع الله، فى أورشليم السمائية.
وهكذا بعد أن يتم "فداء أجسادنا" يوم القيامة المجيدة (رو 23:8)، "نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ" (2كو 18:3)، لأن الله "الَّذِى سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ" (فى 21:3).. انظر أنشودة الرسول بولس فى هذا المضمار، فى رسالته الأولى إلى كنيسة كورنثوس (1كو 35:15-58)، لتدرك معى ماذا أعطانا المسيح، حينما تجسد لأجلنا وفدانا، وكيف سنلبس أجسادًا روحانية، نحيا بها معه إلى الأبد فى ملكوته.
وما هى مكافأة ذلك ؟
"إِلَهُ الْمَحَبةِ وَالسَّلاَمِ سَيَكُونُ مَعَكُمْ" (2كو 11:13)، وما أعظمها من مكافأة!! لن نأخذ فقط حياة سعيدة على الأرض، ولا حياة أبدية فى الملكوت، بل نأخذ الله نفسه، ليسكن فينا:
- "أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (1كو 16:3).
- "لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فى قُلُوبِكُمْ" (أف 17:3).
- "أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِىّ" (يو 23:17). - "اُثْبُتُوا فِىّ وَأَنَا فِيكُمْ" (يو 4:15).
P ما أجملها من وعود!! P وما أقدسها من حياة!!
P وما أسعدها من مكافأة!!
- نحيا للرب هنا وهناك، من الآن وإلى الأبد!!
- نحيا فى الرب والرب يحيا فينا "اُثْبُتُوا فِى وَأَنَا فِيكُمْ" (يو 4:15).
- نصير هيكلاً للروح القدس، وروح الله يسكن فينا.. "أمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (1كو 16:3).
- نرث الملكوت الأبدى العتيد: "لاَ تَخَفْ أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ" (لو 32:12).
J نقدم إنسانيتنا.. فنأخذ شركة ألوهيته!
J نقدم محدوديتنا.. فيعطينا بلا حدود!
J نقدم ضعفنا.. فيسكب فينا قوته!
J نقدم حياتنا على الأرض.. فيعطينا ملكوته العتيد! له كل المجد،
تعالوا نستمتع بدراسات مهرجان الكرازة 2016، إقترابًا من رب المجد، وإتحادًا
به، وعضوية فى جسده المقدس الكنيسة التى هو رأسها، له كل المجد.
تعالوا نحيا هذه المشاعر، ونحن نتسابق فى المهرجان الذى لا يهدف قطعًا إلى جائزة أرضية، بل إلى الإستعداد للملكوت العتيد.. لنحيا مع الرب إلى الأبد.
- هنا وهناك. - فى الزمن وفى الأبدية.
- فى العالم المحدود والملكوت العتيد.
الرب يبارك هذا المهرجان لمنفعة حياتنا جميعًا، بصلوات راعينا الحبيب قداسة البابا تواضروس الثانى وأحبار الكنيسة الأجلاء ونعمة الرب تشملنا جميعًا.
أولاً: مقدمة السفر
الأمثال هى حديث شيق من الرب، يوجه فيه المؤمن كيف يسلك عمليًا بحكمة فى هذه الحياة، وقد أظهر سليمان هدف هذا السفر فى (أم 2:1،3). إذًا هذا السفر يرينا كيف نعيش بحكمة. ولكن من هو الذى يتعلم الحكمة؟ هو من تعلم من داود حياة الصلاة والتسبيح وسط الضيقات.
الأمثال هى كلمات حكمة مصوغة فى عبارات موجزة فى صيغة سجع (فى اللغة العبرية) وهى من أقدم طرق التعليم. فهى طريقة سهلة وجيدة للتعليم، يسهل حتى على الأطفال حفظها، وقد استخدمها الله كما قلنا لتعليم شعبه، ولكن الشيطان أيضًا استخدم هذه الوسيلة فبث فى العالم الكثير من الأمثال المضللة، لذلك يجب أن يحفظ الإنسان المسيحى الأمثال الواردة فى الكتاب المقدس فقط ويرددها ويعمل بها. على إبن الله أن يحفظ أمثال هذا السفر ويتخذها مرشدًا له فى سلوكه اليومى فى رحلة هذه الحياة، فهى صالحة للوالدين والأبناء، الأزواج والزوجات، الرعاة والرعية، التاجر، الصانع، الناضج، الشاب.. لكل أحد.
سفر الأمثال: ليس مجرد حكمة شخصية لسليمان، بل هو وحى الروح القدس له. لذلك نجد تطابق فى حكمة وأمثال هذا السفر مع تعاليم السيد المسيح ورسله.
وهو سفر سلوكى يساعد على ضبط وتوجيه سلوك الإنسان أثناء حياته اليومية، لذلك إعتاد بعض الناس على قراءة إصحاح يوميًا منه لأن العالم يؤثر فينا بمبادئه وفساده، فنحتاج لكلمة الله التى توجهنا لتصحيح مسارنا، أو ما أسماه بولس الرسول تجديد الذهن فلا ننحرف وراء مبادئ العالم الفاسدة.
ثانيًا: كاتب السفر
كتبه سليمان الملك بوحى من الروح القدس. وسليمان الملك هو إبن الملك داود وهو أيضًا نبيًا إبن نبى. وكان حكيمًا بل لم يكن مثله فى الحكمة، وكان غنيًا لم يكن مثله فى الغنى واتسع سلطانه جدًا. ومع هذا كرس نفسه لدراسة الحكمة وطلبها، وقام بتعليمها للناس. وسليمان سأل الله أن يعطيه حكمة ليقود الشعب فأعطاه الله حكمة وثروة. وبحكمته أدار مملكته وحياته، بل أعطانا خلاصة حكمته لكل البشرية، ولكل العصور، فهو تاجر بوزنته وربح كثيرًا لحساب الله.
سليمان الحكيم :
كان سليمان فيلسوفًا، رجل علم له قدرته العلمية، ومهندسًا، قام بإنشاء الهيكل، كما كان ملكًا. وهو أول واضع لسفر فى الكتاب المقدس، يُذكر اسمه على رأس السفر. لم يكن يوجد أحد من الأنبياء قادرًا على كتابة سفر الأمثال مثله، فقد كانت شهوة قلبه وطلبته الوحيدة لدى الله أن يتمتع بالحكمة. وكان يشتهى أن يتمتع كل المؤمنين، بل كل البشر، بالحكمة السماوية.
ثالثًا: إلى من يُوجه السفر؟
سفر الأمثال، أكثر من غيره، هو سفر الشباب أستخدمت هذه الوسيلة للتعليم فى العصور التى كانت فيها الكتب نادرة جدًا، وباهظة التكلفة. لكن حتى يومنا هذا، فى عصر العلم الحديث، لازال للأمثال أثرها الكبير. تتنافلها الأجيال جيلاً بعد جيل، نتنسمها كالهواء، ونسلك بحكمتها فتصبح حياتنا صالحة ومرضية أمام الله.
رابعًا: مفتاح السفر
مفتاح السفر هو كلمة "الحكمة". وقد أشير إليها 104 مرة فى هذا السفر، ولعل من أفضل العبارات الواردة فى هذا السفر هى: "بَدْءُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ" (10:9)، إذ يدعونا إلى التعليم فى مدرسة الله. كل حكمة حقيقية هى من الله، وتقود إلى الله. أينما وُجدنا، فإن المفتاح الذى يفتح أسرار الحكمة مستقر فى الله.
خامسًا: تاريخ السفر
أغلب الأمثال كتبها سليمان حوالى900 -950 ق.م، وما جمعه حزقيا الملك كان حوالى 700ق.م. لذلك ممكن القول أن السِفر قد جُمع معًا حوالى سنة 700 ق.م.
سادسًا: أهم مواضيع سفر الأمثال
1- الغضب. 2- العفة. 3- البشاشة.
4- الإهتمام بالفقراء. 5- تهذيب الأبناء. 6- محبة المال.
7- الأمهات. 8- مخافة الرب. 9- الصداقة.
10- اللسان. 11- الأمانة. 12- المعرفة.
13- الترفق بالأعداء. 14- العدالة. 15- الحكمة.
سابعًا: أقسام سفر الأمثال
1- وصايا موجهة إلى الشباب (1- 9). 2- وصايا موجهة إلى الجميع (10- 20).
3- وصايا موجهة للقادة (21- 30). 4- وصايا المرأة الفاضلة (31).
ثامنًا: محاور دراسية
1- محاور عن المرأة (أم 9: 13- 18):
"اَلْمَرْأَةُ الْجَاهِلَةُ صَخَّابَةٌ حَمْقَاءُ وَلاَ تَدْرِى شَيْئًا، فَتَقْعُدُ عِنْدَ بَابِ بَيْتِهَا عَلَى كُرْسِيٍّ فِي أَعَالِي الْمَدِينَةِ، لِتُنَادِى عَابِرِى السَّبِيلِ الْمُقَوِّمِينَ طُرُقَهُمْ: مَنْ هُوَ جَاهِلٌ فَلْيَمِلْ إِلَى هُنَا. وَالنَّاقِصُ الْفَهْمِ تَقُولُ لَهُ: الْمِيَاهُ الْمَسْرُوقَةُ حُلْوَةٌ، وَخُبْزُ الْخُفْيَةِ لَذِيذٌ. وَلاَ يَعْلَمُ أَنَّ الأَخْيِلَةَ هُنَاكَ، وَأَنَّ فِى أَعْمَاقِ الْهَاوِيَةِ ضُيُوفَهَا".
?مواصفات المرأة الحمقاء:
1- جاهلة: عكس الحكمة، هى بلا منطق مقبول، ولكنها لا تخاطب سوى الغريزة.
2- صخابة: دائمًا تنادى على الشباب بإغراءاتها.
3- تقعد عند باب بيتها على كرسى فى أعالى المدينة: تجلس كملكة تنتظر فريسة لتسود عليه، تجلس كمن لها سلطان فى الأماكن العالية فى المدينة، ولكن سلطانها هو على كل من يستسلم لها.
? ومن الذين تدعوهم لبيتها ؟
- الشباب المَقومين طرقهم: أى الذين يحاولون التوبة، فهى لا تريد أن تترك فرصة لأحد أن يتوب، وهى تتهمهم ظلمًا بأنهم جهلة، ناقصى الفهم إذ يتركون طريق اللذة الذى تعرضه عليهم هى، طريق التحرر من قيود الوصايا الإلهية.
? إغراءاتها:
- المياه المسروقة حلوة: هى تدعوهم إلى اللذات المحرمة، والإنسان المتمرد يحلو له اللذة المحرمة أكثر من اللذة التى يسمح بها الله. وهى مياه مسروقة، لأنها تحدى لوصايا الله، وكأن سارق اللذة كسر أولاً سور الوصية ليسرق شيئًا حرمه الله.
? "اَلْمَرْأَةُ ذَاتُ النِّعْمَةِ تُحَصِّلُ كَرَامَةً، وَالأَشِدَّاءُ يُحَصِّلُونَ غِنًى.. خِزَامَةُ ذَهَبٍ فِي فِنْطِيسَةِ خِنْزِيرَةٍ الْمَرْأَةُ الْجَمِيلَةُ الْعَدِيمَةُ الْعَقْلِ" (أم 16:11-22):
قوة الرجل وغناه يكونان لكرامته، وفى المقابل فهدوء المرأة ووداعتها يكونان لكرامتها (أبيجايل/ راعوث). فالمرأة الهادئة الوديعة تكون محل تكريم الجميع. فبسبب الزوجة النقية والحكيمة يكرم رجلها، أما التى لا تهتم بأبديتها وخلاصها فتصير كرسيًا للعار، كل من يلتصق بها يخسر كرامته. ولكن كثيرًا ما تحطم المرأة جمالها بعدم حكمتها فيكون حالها كمن يأتى بخزامة ذهب ويضعها فى أنف خنزيرة.
?"اَلْمَرْأَةُ الْفَاضِلَةُ تَاجٌ لِبَعْلِهَا، أَمَّا الْمُخْزِيَةُ فَكَنَخْرٍ فِى عِظَامِهِ" (أم4:12):
المرأة الفاضلة والمرأة المخزية: المرأة الفاضلة تشرق منها سمات كثيرة. هذه بحق تاج لرجلها, أما المرأة الجاهلة والكسلانة فتسبب له عارًا، وتحدره إلى الشيخوخة. فزوج المرأة هو تاجها بينما تاج الزوج هو زوجته. وعندما يكون الرجل وزوجته فى توافق وأبناؤهما فى تربية صالحة، وأهل بيتهما فى تدبير صالح، يشتم الجيران رائحة الإتفاق الحلوة، ومعهم الأصدقاء والأقارب. أما إذا كان الأمرعلى خلاف ذلك, فكل شىء ينقلب ويصير فى إرتباك.
?"حِكْمَةُ الْمَرْأَةِ تَبْنِى بَيْتَهَا، وَالْحَمَاقَةُ تَهْدِمُهُ بِيَدِهَا" (أم 1:14):
المرأة الحكيمة والمرأة الحمقاء: المرأة سواء بكونها زوجة أو أمًا أو أختًا، فهى العمود الفقرى للأسرة, ففى سلطانها أن تبنى بيتها وفى سلطانها أن تهدمه. ليس بجمال الجسد أو بالإمكانيات المادية تقيم المرأة بيتها، وإنما بالحكمة كما بالجهالة والحماقة تهدمه.
المرأة الحكيمة تشجع قريباتها فى مخافة الرب، والمحبة التى فى قلبها نحو إخوتها، ولكن المرأة الجاهلة تحطم بكلماتها المملوءة مرارة و كراهية وشرًا.
? "اَلاِبْنُ الْجَاهِلُ مُصِيبَةٌ عَلَى أَبِيهِ، وَمُخَاصَمَاتُ الزَّوْجَةِ كَالْوَكْفِ الْمُتَتَابِعِ" (أم 13:19):
الوكف: الماء المتساقط كقطرات من سقف غير محكم، أثناء وبعد المطر. وهكذا تُشَّبَهْ المرأة المخاصمة بهذا الوكف لما فى معاشرتها من إزعاج وضجر لرجلها. ونرى هنا إرتباط بين الإبن الجاهل والمرأة كثيرة الشجار والخصام، فكثرة الشجار بين الأباء تولد أبناء غير خاضعين لهم بل لا يحترمونهم.
? "اَلْبَيْتُ وَالثَّرْوَةُ مِيرَاثٌ مِنَ الأبَاءِ، أَمَّا الزَّوْجَةُ الْمُتَعَقِّلَةُ فَمِنْ عِنْدِ الرَّبِّ" (أم 14:19):
البيت والثروة ميراث من الأباء، أما الزوجة الصالحة المتعقلة فمن عند الرب.
ما أبأس البيت الذى يضم أبنًا جاهلاً، وزوجة مخاصمة، فغالبًا ما يتفق الإثنان معًا فحيث توجد خصومات فى الأسرة ينحل الأبناء. قد يرث الإنسان منزلاً أو أرضًا أو أموالاً عن والديه أما الزوجة الحكيمة فهى عطية إلهية يقدمها الرب لمن يعيش بحق روح التقوى وله نظرة صائبة فى مفهوم الزواج ويطلب من الله أن يرشده ويختار له.
2 - محاور عن البيت:
? "لأَنَّ الْمُلْتَوى رِجْسٌ عِنْدَ الرَّبِّ، أَمَّا سِرُّهُ فَعِنْدَ الْمُسْتَقِيمِينَ. لَعْنَةُ الرَّبِّ فِى بَيْتِ الشِّرِّيرِ، لَكِنَّهُ يُبَارِكُ مَسْكَنَ الصِّدِّيقِينَ. كَمَا أَنَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِالْمُسْتَهْزِئِينَ، هَكَذَا يُعْطِى نِعْمَةً لِلْمُتَوَاضِعِينَ. الْحُكَمَاءُ يَرِثُونَ مَجْدًا وَالْحَمْقَى يَحْمِلُونَ هَوَانًا" (أم 32:3-35):
هذه الآيات تحمل مفارقات واضحة بين طريقتين، أحدهما هو طريق يبغضه الرب والطريق الآخر يؤدى للتوافق الحقيقى مع الله:
الملتوى.. رجس عند الرب (أى نجس)
بيت الشرير.. لعنة الله عليه
المستهزئ.. يستهزئ به الله
الحكماء.. يرثون مجدًا
المتواضعين.. يعطيهم نعمة
المستقيم.. له سر الله (رضاه ومحبته) (تك 17:18، مز14:25). الله يعلن له نفسه ومحبته.
مسكن الصديق.. له بركة
الحمقى.. يحملون هوانًا
ليس لدى الله لعنة بل هو مصدر كل بركة، لكن الشرير المصمم على الشر إذ يصر أن يتغرب عن الله، فيحرم نفسه بإرادته من مصدر البركات، فيسقط فى اللعنة التى تتم بسماح إلهى كثمرة العمل الشرير.
? "أَفْكَارُ الصِّدِّيقِينَ عَدْلٌ. تَدَابِيرُ الأَشْرَارِ غِشٌّ. كَلاَمُ الأَشْرَارِ كُمُونٌ لِلدَّمِ، أَمَّا فَمُ الْمُسْتَقِيمِينَ فَيُنَجِّيهِمْ. تَنْقَلِبُ الأَشْرَارُ وَلاَ يَكُونُونَ، أَمَّا بَيْتُ الصِّدِّيقِينَ فَيَثْبُتُ" (أم 5:12-7):
الصديق لا يقبل أن يفكر كيف يدبر شرورًا لأحد، حتى لو أهانه هذا الشخص، هو ربما يتضايق ويحزن ويثور من الإهانة، ولكنه لا يفكر فى تدبير الشر لهذا الشخص. أما الشرير فأفكاره كلها إلتواء، ويدبر مكايد بالغش والكذب ضد الآخرين. والأفكار الصحيحة تنشئ أقوالاً وأفعالاً صحيحة. والعكس صحيح. والله يجازى أصحاب هذه وتلك بحسب أفكارهم. قد يزدهر الأشرار ويبدون ناضجين أصحاء، لهم أبناء يرثونهم، ويخلدونهم، لكن آجلاً أوعاجلاً يكتسحهم الشر ويفقدهم كل شىء، وتهلك نفوسهم، أما الصديقون وإن عانوا من تجارب وآلام غير أن بيتهم يثبت.
? "بَيْتُ الأَشْرَارِ يُخْرَبُ، وَخَيْمَةُ الْمُسْتَقِيمِينَ تُزْهِرُ" (أم 11:14):
لاحظ أنه يعطى للأشرار بيت ويعطى للمستقيم خيمة. والخيمة هى إشارة لحياة الغربة التى يحياها الصديق. أما الشرير فهو بأوهامه فى ثبات هذا العالم، وسعيه الدائم لإرضاء شهواته، وزيادة غناه، كأنه سيحيا للأبد، فهو يظن أنه سيبنى بيتًا ولكنه يبنيه على الرمال. ومع هذا فما تصوره الشرير بيتًا وهو أكثر ثباتًا من الخيمة، سيخرب, وأما خيمة البار فتزهر ببركة الله. "لذلك كان أبونا إبراهيم دائمًا له خيمة ومذبح، الخيمة تشير للغربة عن العالم، أما المذبح فيشير للشركة مع الله".
3 - محاور عن الأولاد :
?"اِسْمَعْ يَا ابْنِى تَأْدِيبَ أَبِيكَ، وَلاَ تَرْفُضْ شَرِيعَةَ أُمِّكَ، لأَنَّهُمَا إِكْلِيلُ نِعْمَةٍ لِرَأْسِكَ، وَقَلاَئِدُ لِعُنُقِك" (أم 8:1-9):
نجد هنا المبدأ الثانى للمعرفة وهو طاعة الوالدين. والمبدأ الأول هو مخافة الله. وطاعة الوالدين هى وصية من الوصايا العشر، وهى أيضًا تعليم للعهد الجديد
فطاعة الوالدين واجبة إذا كانت تعاليمهم فى ضوء مخافة الله. إن الإحترام والطاعة البنوية يخلقان كرامة ومجد وجمال روحى فى حياة الإبن الحكيم. فالطاعة تهب زينة النعمة لرأسه، إكليلاً وتاجًا وقلائد ذهبية ولآلىء.
? "يَا ابْنِى، كُنْ حَكِيمًا وَفَرِّحْ قَلْبِى، فَأُجِيبَ مَنْ يُعَيِّرُنِى كَلِمَةً" (أم 11:27):
الحكمة ينبوع فرح: يشعر سليمان الحكيم بأبوته نحو من يتحدث معه أو يعلمه. ليس ما يفرح قلب الأب مثل أن يكون إبنه، حسب الروح حكيمًا، فيفتخر به. أما إذا رفض الإبن الحكمة وسلك بغباء، فيشعر الأب أنه كمن فى عارٍ وخزى. فحكمة الشخص تجعل وجهه مضيئًا، لكن ليس وجه الجسم، ليس عضوًا فى الجسد، وإنما وجه الشخص الداخلى.. يضىء وجه الإنسان الداخلى بالحكمة، الإبن الحكيم يكون سبب فخر وكرامة للأب والعكس فالجاهل يكون سببًا لتعيير أبيه، لأنه أساء تربيته. "لِكَى يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِى فِى السَّمَاوَاتِ" (مت 16:5).
? "مَنْ يُحِبُّ الْحِكْمَةَ يُفَرِّحُ أَبَاهُ، وَرَفِيقُ الزَّوَانِى يُبَدِّدُ مَالاً" (أم 3:29):
يدعونا سفر الأمثال إلى الدخول فى علاقة حب مع الحكمة. إنه يدخل كما فى علاقة عُرس روحى! أما من يدخل فى صداقة مع الزوانى يبدد ما له، ويفسد حياته. لذا ينصحنا الرسول: "أَمَّا الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا" (2تى 2: 23). فمن يلتصق بزانية يفقد كل شىءٍ، أما من يلتصق بالرب فينعم بالوحدة معه، ويفرح به الآب السماوى كما يفرح به والداه.
? "اَلْعَصَا وَالتَّوْبِيخُ يُعْطِيَانِ حِكْمَةً، وَالصَّبى الْمُطْلَقُ إِلَى هَوَاهُ يُخْجِلُ أُمَّهُ.. أَدِّبِ ابْنَكَ فَيُرِيحَكَ وَيُعْطِى نَفْسَكَ لَذَّاتٍ" (أم 15:29-17):
- الطفل عديم التربية يجلب العار لأبويه، والتدليل ليس علامة محبة، فعاقبته الفشل.
- من يؤدب إبنه يجد راحة فى الوقت المناسب، ويجنى ثمار مفرحة ولذَّات مبهجة للنفس.
- الأب لا يهذب إبنه لو لم يحبه، والمعلم الصالح لا يصلح من شأن تلميذه ما لم يرَ فيه علامات نوال الوعد. عندما يرفع الطبيب عنايته عن مريض، يكون هذا علامة يأسه من شفائه.
إن الحوار الهادئ البناء نافع للأسرة, فيه يحترم كل طرف الأطراف الأخرى ولا يتشبث برأيه: فيتعلم الأبناء روح الحوار المقدس. أما الخصومات والنزاع والغضب وإعتزال الواحد الأخر يفقد البيت حلول السيد المسيح فى وسطهم، كما يفسد روح التقوى فى الكل: الأباء والأبناء. ويبث فى الجيل الجديد روح التمرد والتشبث بالرأى.
يشبه الزوجة المحبة للخصام بقطرات المياه التى تتساقط من سقف البيت بإستمرار دون توقف ، قطرات ماء بلا إنقطاع، فلا يعرفون كيف يعلمون,
أو يستريحون، أو ينامون ببساطة، لأنهم لا يجدون مكانًا مريحًا فى البيت يعيشون فيه.
أخيرًا.. علينا أن نخضع لإرادة الرب، فيقدم الرب للمرأة الزوج حسبما يرى فيه خلاص البيت كله, كذلك لدى الله أبناء وبنات مقدسين أعزاء لديه، يود أن يقدمهم لمن يطلب خاضعًا لمشيئته فيقدم له أولها ما يناسبهما.
كثرت فى أيامنا هذه الأحاديث عن الوحدة المسيحية فى مصر وعودة الكنيسة إلى وحدتها بحسب رغبة ربنا يسوع المسيح.
وفى حقيقة الأمر أن الوحدة الكنسية هى رغبة مُلِّحة وضرورة حتمية، واحتياج عميق لكل إنسان مسيحى.. حيث قال ربنا يسوع المسيح فى مناجاته للآب ليلة آلامه: "احفَظهُمْ فى اسمِكَ الّذينَ أعطَيتَنى، ليكونوا واحِدًا كما نَحنُ... ولَستُ أسألُ مِنْ أجلِ هؤُلاءِ فقط، بل أيضًا مِنْ أجلِ الّذينَ يؤمِنونَ بى بكلامِهِمْ، ليكونَ الجميعُ واحِدًا، كما أنَّكَ أنتَ أيُّها الآبُ فىَّ وأنا فيكَ، ليكونوا هُم أيضًا واحِدًا فينا، ليؤمِنَ العالَمُ أنَّكَ أرسَلتَنى. وأنا قد أعطَيتُهُمُ المَجدَ الّذى أعطَيتَنى، ليكونوا واحِدًا كما أنَّنا نَحنُ واحِدٌ. أنا فيهِمْ وأنتَ فىَّ ليكونوا مُكَمَّلينَ إلَى واحِدٍ، وليَعلَمَ العالَمُ أنَّكَ أرسَلتَنى، وأحبَبتَهُمْ كما أحبَبتَنى" (يوحنا 17: 11، 20-23).
وعندما تكلَّم السيد المسيح عن خراف أُخَر من أماكن أخرى قال: "ولى خِرافٌ أُخَرُ لَيسَتْ مِنْ هذِهِ الحَظيرَةِ، يَنبَغى أنْ آتى بتِلكَ أيضًا فتسمَعُ صوتى، وتَكونُ رَعيَّةٌ واحِدَةٌ وراعٍ واحِدٌ" (يو 16:10).
فلا يمكن أن نفهم الحياة المسيحية إلاَّ على أساسات وحدة الكنيسة، فهى رعية واحدة لراعٍ واحد، والجميع فيها يكونون واحدًا على نفس معيار وحدانية الثالوث (كما أنَّنا نَحنُ واحِدٌ).
والكنيسة مُشبهة فى الكتاب المقدس بجسد، ورأسه المسيح.. فكما أن الرأس واحد فلابد أن يكون الجسد واحدًا وليس اثنان أو ثلاثة فهى كنيسة واحدة، والكنيسة عروس المسيح الواحد.. لذلك فهى عروس واحدة.
1- الرغبة فى الوحدة
والرغبة فى الوحدة الكنسية نجدها متوفرة بزيادة عند الجميع أفرادًا وكنائسًا، الكل يطالبون بالوحدة ويتكلمون عنها ويصلون من أجلها ويعقدون اجتماعات دورية مناشدين تحقيقها.
وهناك أسبوع صلاة عالمى من أجل وحدة الكنيسة يقام سنويًا بتدبير وإشراف مجلس كنائس الشرق الأوسط، ومع ذلك ومع مرور السنوات نرى أن الوحدة لم تتحقق بعد، مما حدا بالبعض أن يعلنوا متوهمين وعلى غير الحقيقة أن الوحدة قد تمت وانتهت بالفعل.
السؤال الأن.. هل فعلاً تمت الوحدة الكنسية؟ وإن كانت قد تمت، فما هى علامات هذه الوحدة؟ وهل هى وحدة حقيقية أم مجرد آمال ورغبة؟ وإن كانت لم تتحقق بعد فما السبب؟ وما المُعطل؟ وكيف نسارع بالخطوات فى سبيل تحقيق الوحدة بالحق؟
والحقيقة أن الوحدة لم تتم بعد، وأن ما أشيع عن تمامها هو من باب الأمنيات الطيبة والرغبات الأمينة المحبة لله وللكنيسة.
فعلامة الوحدة الحقيقية كما تعلمناها من أبائنا القديسين هى الإشتراك فى الذبيحة الواحدة والتناول معًا من نفس المذبح جسد الرب ودمه، وهذا لم يتحقق بعد.. ونصلى بدموع أن يتممه الرب يسوع بروحه القدوس وبمشيئة الآب القدوس.
2- لماذا تتعطل الوحدة؟
دعونا نتكلم بصراحة حتى نواجه الحقيقة.. إن السبب الرئيسى فى تعطيل الوحدة الحقيقية هو اختلاف وجهات النظر فى الكنائس من جهة مفهوم الوحدة. فالبعض يعتبرون الوحدة هى الإندماج فى كنيستهم تحت رئاسة واحدة، والبعض الأخر يعتبرون الوحدة أن نحب بعضنا البعض ونصلى معًا مهما اختلفت عقائدنا وإنتماءاتنا الكنسية (كل واحد يروح كنيسته) وهذا يكفى لإعلان الوحدة، أما البعض الأخر فيركزون على أن الوحدة هى وحدة الإيمان والمذبح والذبيحة والكهنوت.. وبالتالى لا توجد حتى الأن نقطة التقاء فى مُسمى الوحدة نفسه.
- تعالوا أولاً نتفق على معنى الوحدة قبل أن نتكلم عن تحقيقها.
- ما هو المفهوم الكتابى من جهة الوحدة؟
- الوحدة الحقيقية هى وحدة الإيمان.. لأن وحدة الإيمان هو مبدأ كتابى.. ونحن فى مشوار وحدتنا يجب أن نتفق أن يكون الكتاب المقدس مرجعنا فى المفاهيم.
اسمعوا معلمنا القديس بولس الرسول يتكلم عن الوحدة بأى مفهوم: "وهو أعطَى البَعضَ أنْ يكونوا رُسُلاً، والبَعضَ أنبياءَ، والبَعضَ مُبَشِّرينَ، والبَعضَ رُعاةً ومُعَلِّمينَ، لأجلِ تكميلِ القِدّيسينَ لعَمَلِ الخِدمَةِ، لبُنيانِ جَسَدِ المَسيحِ، إلَى أنْ نَنتَهى جميعُنا إلَى وحدانيَّةِ الإيمانِ ومَعرِفَةِ ابنِ اللهِ. إلَى إنسانٍ كامِلٍ. إلَى قياسِ قامَةِ مِلءِ المَسيحِ. كىْ لا نَكونَ فى ما بَعدُ أطفالاً مُضطَرِبينَ ومَحمولينَ بكُلِّ ريحِ تعليمٍ، بحيلَةِ النّاسِ، بمَكرٍ إلَى مَكيدَةِ الضَّلالِ. بل صادِقينَ فى المَحَبَّةِ، نَنمو فى كُلِّ شَىءٍ إلَى ذاكَ الّذى هو الرّأسُ: المَسيحُ" (أف 4: 11-15).
أرجو أن نقف بتأمل وتركيز عند كل كلمة من هذا النص المقدس:
1- توزيع المواهب على خدام الكنيسة هدفه تكميل القديسين، التنوع يكون ثراء داخل الإيمان الواحد والكنيسة الواحدة، والتنوع يكون فى المواهب والخدمات وليس فى الكنائس والإيمان.
2- هدف الخدمة هو بنيان جسد المسيح وليس أجساد المسيح، فهى كنيسة واحدة وليست كنائس متعددة.
3- هدف بنيان الكنيسة الجسد هو أن ننتهى جميعنا إلى وحدانية الإيمان وليس تعدده.
4- وحدانية الإيمان تقودنا إلى معرفة حقيقية صادقة لابن الله، أما الإيمانيات المتعددة فسوف تتوهنا عن معرفة ابن الله (بحسب النص المقدس الذى أمامنا).
5- وحدة الكنيسة بأعضائها المتعددة تقود إلى إنسان كامل هو ربنا يسوع المسيح، فنحن أعضاؤه من لحمه ومن عظامه ولسنا غرباء عنه، وأعضاء الجسد الواحد لابد أن يكون لهم نفس الدم الواحد، وهذا الدم الواحد هو الإيمان الواحد الذى يسرى فى أعضاء الكنيسة.
6- "إلَى قياسِ قامَةِ مِلءِ المَسيحِ" لا تعنى إطلاقًا أن كل واحد بمفرده يصل إلى هذه القامة.. فهيهات أن يصل إنسان إلى قامة ملء المسيح، ولكن النص يعلن أننا كلنا معًا فى جسد واحد هو الكنيسة، نصل معًا فى المسيح وبالإتحاد به إلى قياس قامة ملئه كجماعة مقدسة متحدة معًا وبه.
7- من يعّلم بغير هذا يكون كمن يتكلم بحيلة الناس وبمكر إلى مكيدة الضلال (حسبما جاء فى النص موضع دراستنا).
ونحن كمؤمنين حقيقيين يجب ألاَّ نُخدع بكلام الناس ولا نكون "أطفالاً مُضطَرِبينَ ومَحمولينَ بكُلِّ ريحِ تعليمٍ، بحيلَةِ النّاسِ، بمَكرٍ إلَى مَكيدَةِ الضَّلالِ. بل صادِقينَ فى المَحَبَّةِ، نَنمو فى كُلِّ شَىءٍ إلَى ذاكَ الّذى هو الرّأسُ: المَسيحُ" (أفسس 14:45-15).
8- فيما نكون ناضجين ولا نُحمل بكل ريح تعليم، يجب أن نكون صادقين فى محبة الأخرين حتى لو اختلفنا معهم فى الإيمان أو التفسير أو أى تفاصيل أخرى، فالمحبة تعلو كل شىء.
وهذا يقودنا إلى مبدأ آخر ينبغى أن نتفق عليه وهو:
3- بين الحب والتمسك بالإيمان
لقد اعتدنا فى منطقتنا بالشرق أن نربط الأشخاص بالمواضيع.. فإذا إختلفنا فى موضوع نصير أعداء الأشخاص، وإذا تحاببنا مع الأشخاص نقبل كل أفكارهم ونندمج معها، وهذا خطأ وضد الإنجيل.
لقد علمنا الإنجيل أن نحب كل الناس حتى الأعداء. وإذا سلكنا بحسب المبدأ الذى ذكرته سابقًا ستكون النتيجة إما أن أحب كل الناس وأندمج معهم حتى لو كانت حياتهم وسلوكياتهم وإيمانياتهم تختلف مع قناعاتى ومبادئى، أو العكس سأعادى كل الناس المختلفين معى... لقد تعلمنا من المسيح إلهنا أن نحب المرضى ونخدمهم ولكن ليس معنى ذلك أن نحب المرض.
- تعلمنا أن نحب المسجونين ولكن ليس معناه أن نوافقهم على الجريمة ونشترك معهم فيها.
- تعلمنا أن نحب المُدمنين ونخدمهم ليس لكى يستمروا فى إدمانهم، بل لنشجعهم على الإقلاع عن المواد المخدرة والتعافى منها.
- تعلمنا أن نحب الأعداء ولكننا نبغض العداوة، ونحاول أن نطفئ لهيبها بالحب.
- تعلمنا أن نحب المختلفين معنا فى الدين والإيمان، وهذا ليس معناه أن نشاركهم صلواتهم وأصوامهم وممارساتهم الدينية، بل نحترمهم ونقبلهم دون الإندماج معهم
أو التنازل عن إيماننا الأقدس.
متى نتبنى - كشباب وشعب واع ناضج - أن ننشر هذه الثقافة عمليًا..
المبدأ الأول: "نختلف لكن نتحابب"... "نقبل الآخر لكن لا نذوب فيه".
لا يصح أن نهاجم مَن يتمسك بإيمانه بوعى، ويشرحه بعقل وبمحبة، ولا يصح أن نرهبه ونخيفه بالإتهامات السابق تجهيزها، بأنه متشدد، ومتعصب، ومتطرف، ولا يقبل الأخر، ولا يحب الناس، وأنه يكّفر الآخرين... الخ من الإتهامات المسيئة، والتى تدل على الإفلاس الروحى والعقيدى، وعدم القدرة على مواجهة الحجة بالحجة، والفكر بالفكر..
كذلك لا يجب أن تُفسر محبتنا للأخر على أن الوحدة قد تمت، وقد توافقنا على إيمانيات واحدة مشتركة.
صديقى ابن الكنيسة البار.. عندما نتكلم عن إتمام الوحدة الكنسية يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا ونحترم عقليات الناس وإيمانياتهم.. فأين الوحدة الأن؟
مازلنا نرى أمورًا كثيرة مختلفة ونريد الاتفاق عليها، وهى أمور يعتبرها البعض ثانوية وغير هامة بينما هى أمور أساسية وهامة جدًا فى مفهوم الأخرين.
فمثلاً هناك كنائس بها مذابح وتؤمن بسر الإفخارستيا كأساس لا يمكن الإستغناء عنه، وكنائس أخرى لا يوجد بها مذبح ولا تؤمن أصلاً بوجود مذبح فى المسيحية، ولا تؤمن بحقيقة جسد الرب ودمه. بغض النظر عمَن صح ومَن خطأ... فنحن نتكلم الأن عن الوحدة..
إما أن يُلغى القداس والإفخارستيا ونعترف أن جسد المسيح هو مجرد ذكرى ومثال، أو أن يعترف الجميع بالقداس وحقيقة جسد ودم المسيح، وحتمية التناول منهما، للخلاص وللحياة الأبدية.
فإما نعترف أننا مختلفين ونسعى للوحدة، أو نوهم أنفسنا أننا اتحدنا ونعيش مختلفين بلا معنى. يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع مَن نتكلم معه، ويجب أن نحترم عقليات الناس ولا نشيع شيئًا غير صحيح وغير واقعى.
مبدأ أخر أود أن أضعه أمام أعينكم..
المبدأ الثانى:"نتعاون معًا ولكن لا تقتحم خصوصيتى وتغيرها إلى منهجك"
فيجب أن تُحترم خصوصية كل كنيسة ومنهجها وطريقة الصلاة والتسبيح بها.
أحبائى.. عندما نتكلم عن الوحدة الكنسية دعونا نفكر بمنهج:
4- التدرج فى الوحدة
مع ملاحظة أن الخلاف بين الطوائف المسيحية قد استغرق مئات السنين، حيث أصبح لكل اتجاه مسيحى لغة ومنهجًا لاهوتيًا، خاصًا به وصياغات خاصة به أيضًا، فلكى يتم التفاهم والإتفاق حول العقائد الأساسية يجب أن نصبر ونطيل أناتنا، لأن هذا الأمر قد يستغرق سنوات.
ويجب أيضًا أن نفكر لمنهج التدرج فى الوحدة حتى يتحقق نجاحها الحقيقى
وليس الدعائى..
- أولاً: يجب أن يتصالح الإنسان مع نفسه، ويكون شخصية سوية ومريحة ويتمتع بالوداعة والإتضاع والمحبة للكل، حتى يصدق الناس أنك رسول الوحدة الكنسية.
- ثانيًا: اتحد مع كنيستك المحلية.. فليس من المعقول أنك لا تنتظم فى إجتماع الشباب بكنيستك، ولا تستطيع أن تتعاون مع إخوتك الشباب والخدام، بل تكون دائم الشكوى والتذمر وعدم الرضا، ثم تطالبنى أن أصدقك وأنت تطالب بالوحدة مع أقاصى الأرض.
- ثالثًا: اتحد مع إيبارشيتك والكنائس التى تضمها إيبارشيتك أو منطقة الخدمة الرعوية التى تنتمى إليها.. فأيضًا ليس من المعقول أن تسعى لطلب الوحدة مع الأخرين وأنت لا تتعاون مع كنائس منطقتك فى إجتماع شباب عام، أو يوم روحى، أو مؤتمر، أو مهرجان دراسى، كيف أصدق نيتك العظيمة فى الإتحاد وأنت غير متحد مع كنائس منطقتك أو إيبارشيتك؟
- رابعًا: الترتيب المنطقى.. حينما نرغب فى الوحدة الكنسية هو أن نبدأ مع كنائس الأرثوذكس الأخرين، فنحن الأن فى وحدة تامة مع كنائس السريان، والأحباش والأرمن، والهنود، والإرتريين، وعلينا أن نسعى بكل الجهد للإتحاد مع العائلة الأخرى الأرثوذكسية، وهى مجموعة كنائس الروم وعددها أربعة عشر كنيسة لها إيمان واحد وتقليد مقدس ومجامع كنسية مقدسة، وقد تمت خطوات كثيرة فى سبيل كمال الوحدة معهم، وكما اتفقنا ستكون علامة الوحدة هى الاشتراك فى إفخارستيا واحدة.
صلوا من أجل هذا الأمر.. فالوحدة الأرثوذكسية ستكون أعظم إلهام للعالم، وستكون أقوى أداة فى يد الرب لضرب الإلحاد والوثنية الحديثة والإنحرافات الفكرية.
- خامسًا: وبعد إتمام الوحدة مع كل الأرثوذكس يكون الدور على الوحدة مع الكنيسة الكاثوليكية، وهذا أمل عظيم نتوقع أن يتحقق قريبًا فى ظل وجود قيادات كنسية فى مجموعة كنائسنا الأرثوذكسية، وفى الكنيسة الكاثوليكية ترغب جميعًا فى تجميع الكل إلى إيمان واحد فى المسيح، كما كانت الكنيسة فى عصر أبائنا الرسل.
- سادسًا وأخيرًا: نرجو الوحدة مع إخوتنا البروتستانت الذين نكن لهم كل الحب والإحترام، ونعترف بأفضالهم فى نواحى مسيحية كثيرة، ولكن نرجو أن يكون مرجعنا فى الحوار والتفاهم هو العودة إلى المنابع الأولى للفكر المسيحى، ونستنير بفكر الأباء الأولين فى القرون الأولى، لأن المسيحية لم تبدأ بنا ولن تنتهى إلينا..
لا يمكن أن تقفز على الخطوة الأخيرة دون المرور على الخطوات المنطقية السابقة لها..
علمًا بأن كنيستنا الأرثوذكسية قد بذلت ومازالت تبذل جهودًا جميلة فى سبيل تحقيق الوحدة المسيحية، قد يكون البعض يعرف هذه الجهود، والبعض الأخر لا يعرفها، وذلك على الأقل على مدى الخمسين سنة الماضية.
5- علامات الوحدة المسيحية
أخيرًا أود أن أؤكد على أن علامات الوحدة المسيحية هى:
الاشتراك فى مذبح واحد وكهنوت واحد وإيمان واحد.
أما التعدد فى الممارسة الروحية، والشكل الخارجى والثقافة، وطريقة الوعظ، والترنيم، واللبس، والشكل، فهذه أشياء لا تضير الوحدة فى شىء وليس هو موضوع حوارنا أو إهتمامنا على الإطلاق.
? "فأطلُبُ إلَيكُمْ، أنا الأسيرَ فى الرَّبِّ: أنْ تسلُكوا كما يَحِقُّ للدَّعوَةِ الّتى دُعيتُمْ بها... مُجتَهِدينَ أنْ تحفَظوا وحدانيَّةَ الرّوحِ برِباطِ السَّلامِ. جَسَدٌ واحِدٌ، وروحٌ واحِدٌ، كما دُعيتُمْ أيضًا فى رَجاءِ دَعوَتِكُمُ الواحِدِ. رَبٌّ واحِد، إيمانٌ واحِدٌ، مَعموديَّةٌ واحِدَةٌ، إلهٌ وآبٌ واحِدٌ للكُلِّ، الّذى علَى الكُلِّ وبالكُلِّ وفى كُلِّكُمْ" (أف 4: 1-6).
? "أيُّها الأحِبّاءُ، لا تُصَدِّقوا كُلَّ روحٍ، بل امتَحِنوا الأرواحَ: هل هى مِنَ اللهِ؟ لأنَّ أنبياءَ كذَبَةً كثيرينَ قد خرجوا إلَى العالَمِ" (1يو 1:4)..
إنها طلبة تعنى حياة التسليم للمشيئة الإلهية. أى أننا لا نفرض على الله وضعًا معينًا نحيا فيه. بل ما يريده الله لنا، هو ما نرضاه ونقبله. وفى حياة الإيمان بالله كصانع للخيرات، نفرح بما يشاءه لنا، حتى لو كان عكس ما نرغب. بل نقول له: "لتكن لا مشيئتى بل مشيئتك". "لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ"
(مت 26: 39).
أنت يا رب تعرف الخير النافع لى، أكثر مما أعرف أنا. وأنت تريد لى الخير أكثر مما أريد أنا لنفسى. لذلك فأنا أسلم حياتى بين يديك، تفعل بها كما تشاء، وأكون سعيدًا بذلك.. لا أقول "لتكن مشيئتك" عن تغصب، وإنما عن إقتناع. ولكى تصبح الحياة روحانية توافق مشيئة الله فى السماء.. لها على الأقل أربع صفات:
1- مُنفذة بكل دقة. 2- بلا جدال وبفرح.
3- بسرعة وبلا إبطاء. 4- بإستمرار على الدوام.
إن مشيئة الله منفذة بكل دقة ليس فى السماء فقط، إنما مشيئة الله منفذة على الأرض أيضًا بكل دقة من الطبيعة "بأستثناء الإنسان". كل القوانين التى وضعها الله للطبيعة تسير حسنًا بلا إختلال. لأن الطبيعة خاضعة تمامًا لمشيئته. مثال: انظروا فى قصة يونان النبى:
? أمر الله البحر والأمواج بضرب السفينة ونُفِذَ أمره الإلهى بكل سرعة ودقة.
? أمر حوتًا عظيمًا أن يبتلع يونان ففعل وأمره أن يلفظه سليمًا فلفظه.
? أمر الشمس والرياح أن تضربا اليقطينة فيبست، وأن تضربا يونان فذبل.
الطبيعة فى قصة يونان كانت مُنفذة تمامًا لمشيئة الله. أما الإنسان المتمتع بالحرية والتفكير فلم ينفذ. ليت يونان كان منفذًا لمشيئة الله، كما هى منفذة على الأرض من الطبيعة وليس كما هى منفذة فى السماء، إن كان لم يصل إلى ذلك المستوى.
عبارة "لتكن مشيئتك" كما تحتاج إلى إيمان وطاعة، تحتاج أيضًا إلى إتضاع قلب. إتضاع الإنسان الذى لا يكون حكيمًا فى عينى نفسه (أم 3: 7) إلى الدرجة التى يراجع بها الله فى أوامره ويناقشه، ويقول له: لماذا..؟ ولو أن بعض القديسين كانوا يجادلون الله، عن دالة وليس عصيان، ولا عن شك.. الإنسان المتضع يقبل كل ما يشاءه الله فى ثقة وفى خضوع. أما الذى يعتمد على فكره، فإنه يفحص أعمال الله، بل ويصدر عليها أحكامًا!! ويقبل بعضها، ولا يقبل البعض الأخر! إنه يظن فى نفسه أنه شىء. لذلك يقول الكتاب:
"لاَ تَكُونُوا حُكَمَاءَ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ" (رو 12: 16) ويقول أيضًا: "وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ" (أم 3: 5). الإنسان المتواضع يقول: من أنا يا رب حتى أفحص أعمالك؟! "مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاِسْتِقْصَاءِ!" (رو 33:11).
لا يجوز أن نضع مفاهيمنا كمقياس نقيس به عمل الله. إنما نتقبل ما يعمله بالإيمان، وليس بالفحص. ولا نخضع مشيئة الله لفهمنا البشرى. لأنه ما أعمق النقص فى فهمنا.
?زكا العشار أطاع المشيئة الإلهية بمجرد كلمة.
كان فى مكان الجباية، وفى موضع مسئولية مالية, وبمجرد أن سمع من الرب كلمة "اتْبَعْنِى" (مت9: 9)، حتى ترك كل شىء وتبعه وكذلك باقى الرسل فى دعوتهم، تبعوا الرب وهم لا يعرفون ماذا يكون مستقبلهم معه، ولا ما هو نوع عملهم، أو مكان إقامتهم، أو وضعهم المالى، مثلما يفعل البعض، حينما يدعون للكهنوت. أما أباؤنا الرسل فقابلوا دعوة المسيح بروح عبارة : "لتكن مشيئتك".
فياليت الإنسان يتدرب على عبارة "لتكن مشيئتك" يبدأ مثلاً بإطاعة توجيهات والديه، وإرشادات أب إعترافه، وتعليمات رؤسائه بالعمل. فيتعود تنفيذ مشيئة غيره دون عصيان، ودون تذمر، ودون مناقشة، بل بثقة، وبدون إبطاء. إن فعل هذا سيسهل عليه أن يطيع مشيئة الله، بكل إيمان.. فالحياة الروحية تتركز كلها فى عبارة: "لتكن مشيئتك".
ولكن كيف نعرف إرادة الله فى حياتنا ؟
هناك طرق متعددة تسهل لنا كيف نعرف إرادة الله مثل:
1- الروح القدس الساكن فينا: "أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (ا كو 16:3).
2- الكلمة المقرؤة فى الكتاب المقدس: "وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِى فِى الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (2تى3: 15).
3- الكلمة المسموعة فى العظات: "خِرَافِى تَسْمَعُ صَوْتِى وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِى" (يو10 : 27).
4- الصلاة وطلب معرفة إرادة الله: عن طريق حضور القداسات لطلب مشورة الله،
ويجب علينا نحن أيضًا أن يكون عندنا روح الإفراز والتمييز بين صوت الله, وأى
صوت أخر غيره, "بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرّ" (عب 5: 14).
? تداريب على قبول مشيئة الله :
1- اقبل مشيئة الرب، لكى تأخذ بركة هذا القبول، وتنمو فى حياة التسليم.
2- لا تتكدر بسبب شىء، بل ليملك السلام على قلبك.
3- ليس فقط تقبل مشيئته بالرضى، بل بالأكثر بالشكر والفرح. ونحن فى حياة التسليم لمشيئة الله، نقول للرب مرارًا كل يوم فى صلاة الشكر: " نشكرك على كل حال ومن أجل كل حال وفى كل حال".
4- حينما تقول لله : "لتكن مشيئتك" قولها له من قلبك، وليس بلسانك فقط.
5- إن حياة التسليم تمنح القلب السلام والهدوء. والإنسان الضعيف فى الإيمان، أى حادث يؤلمه، ويزعزع ثقته فى الله، ويتذمرعلى الله، ويصعب عليه أن يقول فى صلاته من قلبه: "لتكن مشيئتك" لكن الكنيسة المملوءة بالإيمان، التى تعودت قبول مشيئة الله, تعلمنا صلاة الشكر, فى كل الصلوات حتى صلاة التجنيز!.
6- الذى تستعبده شهوات أو رغبات معينة، إذا اصطدمت مشيئة الله برغباته، يتضايق لأنه لا يريد سوى رغباته، يسعى إليها ويحرص عليها. وهو مستعد أن يطيع الله داخل رغباته وليس خارجها..! إنه لا يريد أن يخضع لمشيئة الله، بل يريد أن تخضع مشيئة الله لرغباته، وينفذ له الله ما يريده هو، وإلا تسوء علاقته مع الله.
7- الذين يحيون حياة الزهد، سهل عليهم أن يقولوا لله: "لتكن مشيئتك أنت, وإن حدث لنا خطر من مشيئة الناس الخاطئة، فنحن نثق أن مشيئتك الصالحة سوف تتدخل وتبطل مشيئتهم, لأن الأمور كلها فى يديك، أنت يا ضابط الكل، وليس فى أيدى الناس.. ولأن صلوات كثيرة ترتفع إليك لتنقذنا من مشيئات الناس لتكن مشيئتك, أنت وحدك المدبر, وصاحب الأمر, والكل فى يديك وتحت مشيئتك".
إذن ما هى إرادة الله فى خطته لحياتى ؟
يتضح هذا من وصاياه فى الكتاب المقدس فالله يريدنا: أن نعيش فى هذا العالم بتدقيق, وبمحبة لبعضنا البعض, وبحكمة, ونسعى نحو الهدف الذى هو المسيح ونحفظ السلام دون أن ننغرس فى شهوات العالم.
والإنسان فى أغلب الأحيان يسعى وراء رغباته وشهواته ولذاته, وهذه ممكن أن تكون عكس إرادة الله فحينئذ تفشل محاولاتنا نحو هذا الهدف, فأن إتباع مشيئة الله يتطلب الإيمان والعمل والجهاد, والصوم والصلاة, لكى يحقق الله لنا طلباتنا, ورغباتنا, فإرادة الله موجودة لحياة كل إنسان, وليست مشيئته فوق الطبيعة, أو مستحيلة أو معجزية.
ففى إستطاعة الإنسان أن يفهمها ويعرفها كقول بولس الرسول فى (أف 5: 17): "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لاَ تَكُونُوا أَغْبِيَاءَ بَلْ فَاهِمِينَ مَا هِى مَشِيئَةُ الرَّبِّ" إذا نميز بين مشيئة الرب ومشيئتنا بأن: نبتعد عن أفكارنا وميولنا, ورغباتنا الإنسانية, وأن نفكر أولاً بعيدًا عن عاطفتنا.
فأن الشاب وهو يختار شريكة حياته.. لو فكر بعاطفته فأنه يخدع نفسه, إن رغبة الإنسان فى الزواج ليست جسدية فقط, بل هى مبنية على الترابط الروحى, والجسدى, ولا يجب
أن نأخذ بالشكل وتأخذنا العواطف بل يجب أن نحكم العقل والروح, قبل العاطفة لئلا يأخذنا تيار الشهوة.
يوجد بعض من الناس يريدون من الله أن يملى عليهم ما يجب أن يفعلوه, مثل أين يسكنون؟ من يتزوجون؟.. أن الله ليس فى كل الأحيان يعطينا إجابات مباشرة, وواضحة, فهو يعطينا الفرصة للإختيار والإرتياح من خلال الصلاة, والمناسب لنا حسب ظروفنا الشخصية, أيضًا ما يوافق سلامنا الغير معارض لعمل الله فى وصاياه ولكى تكون لنا علاقة مستمرة معه.
أمثلة فى طلب مشيئة الله :
ما أكثر الأمثلة التى يقدمها لنا الكتاب عن حياة التسليم منها :
أولاً: أبينا إبراهيم : قال له الرب فى بدء دعوته: "اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِى أُرِيكَ..." (تك12: 1). فخرج إبراهيم من وطنه حسب أمر الرب له "فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَأْتِى" (عب11: 8).
وأمامه عبارة "لتكن مشيئتك"..ثم كانت مشيئة الرب الأخرى لإبراهيم، فوق الطاقة البشرية!.. حيث قال له: "خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ.. وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِى أَقُولُ لَكَ" (تك 22: 2). فبكر إبراهيم صباحًا جدًا، وأخذ إبنه معه ليقدمه محرقة للرب، وهو الإبن الذى نال به المواعيد، والذى إنتظره من عشرات السنوات.. إبراهيم فى إيمانه بمشيئة الرب، لم يناقش، بل أطاع.
كان يؤمن بصلاح الله، وبمحبته، وبصدق مواعيده, حتى إن ذبح إسحق وقدمه محرقة.. كان يؤمن بقدرة الله على إقامة إسحق من الموت (عب 11: 19). وأيًا كان الأمر لم يضع أمامه أن يفكر، إنما هى مشيئة الرب الصالحة يجب أن تنفذ.
ثانيًا: السيدة العذراء: لم تفكر فى يوم من الأيام أنها ستحبل وتلد. ولكن لما أتتها مشيئة الله، أنها ستكون أمًا، وبطريقة معجزية، قالت للرب: "هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِى كَقَوْلِكَ" (لو1 : 38) وحياة التسليم كانت منهجًا ثابتًا للقديسة العذراء.
لاشك أنها كانت تحب البقاء فى الهيكل، فى حياة الصلاة والتأمل والعبادة، ولكن الرب نقلها إلى أماكن متعددة، من الهيكل، إلى بيت يوسف، إلى بيت لحم، إلى مصر، إلى الناصرة، وهى لا تقول سوى: "لِيَكُنْ لِى كَقَوْلِكَ" (لو38:1) " لتكن مشيئتك".. ومع أن بُشرى الميلاد كانت تحمل معنى الفرح بميلاد مخلص هو المسيح الرب (لو2: 11). حسبما قال الملاك للرعاة: "فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ"..
إلا أنه بدلاً من هذا الفرح، صدر الأمر الإلهى أن تهرب العذراء بهذا المخلص إلى أرض مصر، إلى بلاد غريبة عنها, موضعًا وديانة ولغة، يطردونها فيها, من مدينة إلى أخرى، بسبب تساقط الأصنام (أش 19: 1) لم تحتج على سفرها, وعدم إستقرارها فى موضع، بل كانت فى قلبها تلك التسبحة: "لِيَكُنْ لِى كَقَوْلِكَ".
ثالثًا : الملائكة: أيضًا لا يناقشون مشيئة الله ويسرعون فى تنفيذها بلا إبطاء..
وهكذا يقول عنهم المرتل فى المزمور: "بَارِكُوا الرَّبَّ يَا مَلاَئِكَتَهُ.. الْفَاعِلِينَ أَمْرَهُ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ كَلاَمِهِ" (مز103: 20). وهم ينفذون الأمر مهما كان يبدو عجيبًا, أو شديدًا.. مثل الملاك الذى أمره الرب بضرب كل أبكار مصر (خر12: 13). أو الذى أمره أن يرفع السيف على أورشليم (2 صم 24: 16)..
والإنسان الذى يطيع بلا جدال - مهما كان الأمر - هذا يتشبه بالملائكة. ليس عمل الملاك هو التدبير أو التفكير، إنما عمله أن ينفذ, عمله أن يقول للرب " لتكن مشيئتك".. فملائكة الأبواق، أو ملائكة الضربات، الذين وردت رسالتهم فى سفر الرؤيا (رؤ 8، 9)،
لم يقولوا للرب: يا رب نحن ملائكة للرحمة، وليس للإهلاك أو العقوبة. إعفنا من هذا الأمر! كلا، بل نفذوا ولم يناقشوا..
مفاهيم خاطئة للتسليم وقبول مشيئة الله
1- يجب على الإنسان الروحى أن يسعى للتوفيق بين التسليم لمشيئة الله, وطلب التغيير المستقبلى أو التوفيق بين التسليم فى المرحلة الحالية لمشيئة الله.. والصلاة من أجل التغيير المستقبلى للظروف, والسعى من أجل ذلك.
2- إن الإستسلام لمشيئة الله لا يعنى الإستسلام للألم والمعاناة, مثل شخص فقد زوجته التى رحلت عن هذا العالم، لا يعنى إستسلامه لمشيئة الله أنه يستسلم للحزن، بل قبوله لمشيئة الله يعنى أنه يتمتع بالتعزية, وينتصر على الحزن.
3- الإستسلام لمشيئة الله لا يعنى عدم السعى لتحسين العلاقات مع الأخرين.
4- الإستسلام لمشيئة الله لا يعنى أن نركن إلى الكسل عندما نفقد فرصة معينة ولا نبذل جهودًا للتقدم لفرصة أخرى. مثل شخص تقدم للإرتباط بفتاة معينة، فرفضت هذه الفتاة عرضه للإرتباط. فلا يصاب بالإحباط, ويصاب بعقدة من الزواج بصفة عامة, ويخدعه الشيطان للتفكير بهذه الطريقة, تحت ستار الخضوع لمشيئة الله.
5- شخص مريض ولا يستطيع المشى بسهولة بسبب مرضه. لا يعنى قبوله لمشيئة الله أن يستسلم للألم وللشعور بالعجز, وعدم القدرة على المشى، بل الإيمان يعطيه القوة للإنتصارعلى العقبات, والمشاكل. وتحدى الظروف الصعبة. إنه لا يستسلم للشعور بالمرض, ويستسلم للرغبة فى الكسل والتراخى، ولكنه بالإيمان يحصل على قوة متجددة للمشى حتى لوكان يشعر بالألم. الإيمان يجب أن ينتصر على الألم والشعور بالعجز.
الإرادة الإلهية مصدر فرح لحياتى
إرادة تفرح قلبى :
إن الإنسان حينما يعلم ما هى إرادة الله وينفذها, يجد لديه شعور داخلى بالفرح, فإرادة الله تعطى فرحًا للإنسان حتى وسط الضيقات, وذلك لعلم الإنسان أن كل شىء فيه إرادة الله ينتهى نهاية سعيدة : "اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِى حِينَمَا تَقَعُونَ فِى تَجَارِبَ مُتَنَّوِعَةٍ " (يع 2:1).
إرادة تهيئ نفسى :
إحساسنا أن الله يريد هذا الشىء لنا, يعطى لأنفسنا تهيئة جيدة, مما يعطينا سلامًا داخليًا, لشعورنا أن الله راضٍ بهذا العمل قبل حدوثه.
إرادة تسعد عائلتى :
العائلة التى تطلب مشورة الله فى كل شىء, وتتقبل إرادته فى أمورها الشخصية: فى الفرح والحزن, فى السعة والضيق, فى النجاح والفشل, فى الغنى والفقر, فى الصحة والمرض, إن تقبلت ذلك بشكر فأن ذلك يولد سعادة داخل الأسرة, أما الأسرة التى ترفض إرادة الله وتتذمر عليها، فإن ذلك يؤدى إلى عدم السعادة فى الأسرة، وكم من أسر فقيرة أومتعبة تقبلت ذلك بشكر فأدى ذلك إلى سعادتها.
مـقـدمـة
المحبة هى عطية من الله فهى ثمرة من ثمار الروح القدس"وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُو: مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ..." (غل 22:5). الله هو الذى أعطانا الحب، وعلمنا كيف نحب، وأعظم حب هو حب المسيح الذى بذل نفسه لأجلنا "فِى هَذَا هِى الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا" (1يو4: 10).
الإنسان كائن إجتماعى لا يستطيع العيش بمفرده بدون حب الآخرين "اَلصَّدِيقُ يُحِبُّ فِى كُلِّ وَقْتٍ، أَمَّا الأَخُ فَلِلشِّدَّةِ يُولَدُ" (أم17:17). فالطفل يحتاج الحب من والديه وأقرباؤه ومدرسيه وأصدقاؤه، والزوج يحتاج إلى حب زوجته، والزوجة تحتاج لحب زوجها، وإنعدام الحب فى الأسرة يعن إنعدام السلام فى الأسرة، والإستقرار الأسرى، والجد والجدة يحتاجان لحب من أبنائهم وأحفادهم، ومن أصعب العقوبات أن تعاقب الأم طفلها بوجوده وحده فى الحجرة.
خزان الحب
يبدأ إمتلاء هذا الخزان منذ ولادة الطفل، فالطفل منذ ولادته يحتاج إلى الحب، وهو أول إحتياج للطفل بعد الإحتياج الجسدى (الرضاعة) فهو يحتاج إلى حب أمه والإحساس بالأمان، عن طريق لمساتها له يستطيع سماع ضربات قلبها لذلك يحتاج الطفل إلى الحب حتى تنمو لديه المحبة، ويستطيع فيما بعد أن يفيض على الآخرين.
إذا كان لديك هاتف محمول به رصيد تستطيع عن طريقه الإتصال بالآخر، ولكن لو لم يكن به رصيد لعجزت عن الإتصال، هذا الرصيد هو الحب، فلذلك من الضرورى أن يكون القلب مملوء من الحب حتى يفيض على الأخر ويعطى الحب لمن حوله.
الطفل الذى لا يمتلئ بالحب فى طفولته لا يستطيع أن يعطيه فيما بعد لشريك حياته،
ولا لأولاده فأن فاقد الشىء لا يعطيه، وذلك له تأثير سلبى على الطفل، حيث أنه سيحاول إشباع حاجته للحب من خارج الأسرة، وهنا يدق ناقوس الخطر وجرس الإنذار، لأن الإبن أو الإبنة الفاقدين للحب داخل الأسرة سوف يتجاوبون مع أى كلمة حب خارجية خرجت من شخص قد لا يتفق فى المستوى الإجتماعى أو السن أو الدين، لذلك يجب تجنب هذه المخاطر عن طريق إشباع الطفل عاطفيًا بحب والديه له "اَلنَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ" (أم 7:27).
لغات الحب الخمس
هى طرق متعددة بها يستطيع المحب أن يوصل الحب إلى محبوبه وهذه اللغات هى:
1- الكلمات: وهى طريقة مباشرة للتعبير عن الحب عن طريق الكلام، مثلاً أنى أقول لطفلى: (بحبك) وتتنوع الكلمات فتنقسم إلى:
أ- كلمات تشجعية : الكلمات التشجيعية الإيجابية لها دور كبير مع النفس البشرية حيث أن لها مفعول السحر، فهى تحول الإنسان من حالة الإحباط إلى حالة النجاح، فهى لها قوة دافعة مؤثرة "وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ: أَنْذِرُوا الَّذِينَ بِلاَ تَرْتِيبٍ. شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ، أَسْنِدُوا الضُّعَفَاءَ. تَأَنَّوْا عَلَى الْجَمِيعِ" (1تس 14:5).
ب- كلمات المديح : يجب أن نمدح الشخص على إيجابياته، ولا نركز على السلبيات فقط، ومن أهم إحتياجات النفس البشرية هى سماع كلمات التشجيع، فإن كلمات المديح لها دور كبير فى الإستقرار الأسرى "يَقُومُ أَوْلاَدُهَا وَيُطَوِّبُونَهَا. زَوْجُهَا أَيْضًا فَيَمْدَحُهَا" (أم 31: 28) كما علمنا السيد المسيح عندما تقابل مع المرأة السامرية فأنه أخذ الجزء الإيجابى "قَالَ لَهَا يَسُوعُ: حَسَنًا قُلْتِ لَيْسَ لِى زَوْجٌ" (يو17:4).
ج- كلمات اللطف واللين : لابد من الكلمات اللطيفة والرقيقة, بأسلوب حسن فى الوقت المناسب، وهذا هو أسلوب الإنسان المسيحى "الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ" (1كو 4:13).
2- تكريس الوقت : مع الإنشغال اليومى للوالدين بذهابهم إلى العمل لابد من وجود وقت مخصص للجلوس مع الطفل، ولابد من وجود وقت للحوار بين الزوج والزوجة.
أ- الوقت القيم: هو إعطاء كل من الوالدين كل منهما على حده عشرين دقيقة على الأقل لكل طفل فى اليوم، وهذا الوقت هو وقت حوار بين الأب وطفله، وفيه يستمع الأب أو الأم للطفل وينزل فيه لمستوى الطفل، ويلعب معه، ويجب أن يخصص هذا الوقت لذلك فقط ولا يتخلل هذا الوقت تذكر للدروس أو مشاهدة التلفزيون أو للعقوبة، إنما هو وقت للعب والحوار فقط، وفيه تقال الكلمات التشجيعية البنائة، وكلمات الحب مثلاً أقول للطفل: (أنت حبيبى.. أنا أحبك.. أنت إبنى.. أنت غالى عندى.. أنا أفتخر بك) فى هذا الوقت يشعر الطفل بحبك له.
ب- تكريس الوقت أثناء إحتياج الأخر لى : هناك أوقات يحتاج فيها الأخر لوجود شخص بجانبه أكثر من أى وقت أخر وهذه الأوقات مثل: (وقت مرضه.. يوم عيد ميلاده.. يوم نجاحه).
ج- تكريس الوقت لخروج الزوج والزوجه معًا : لكسر روتين الحياة اليومى من تعب فى تربية الأطفال.. تجهيز الطعام.. إلخ. لذلك يجب أن نتفرغ لمن نحب، وأن نضحى بكل شىء بعض الوقت لأجل التفرغ الكامل له.
3- الأعمال الخدمية : عن طريق الأعمال الخدمية ومساعدة الطفل فى أموره الشخصية يشعر الطفل بحبك له, حيث أن الطفل إنسان غير قادر.. فهو إعتمادى على الأب والأم فى المأكل والمشرب والنظافة الشخصية، وعلينا أن نفعل ما يحبه الأخر "بِالْمَحَبَّةِ اخْدِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا" (غل 13:5).
4- الإتصال البدنى : الحب عن طريق لغة اللمس فى كثير من الأحيان، يكون أكثر فاعلية من لغة الكلام وحدها، فإن يد الطفل والطبطبة له دور كبير فى توصيل الحب من الأباء للأبناء، كما أن نظرات العين eye contact لها لغة حب قوية المفعول.
5- الهدايا : وهى لغة من لغات الحب، ولها قيمة كبيرة فى التعبير عن الحب، والهدايا لغة حب مهمة جدًا فى المناسبات (أعياد الميلاد.. أعياد الزواج.. مكافأة للنجاح) فى كثير من الأحيان تكون الزوجة فى إحتياج لتعبير زوجها عن حبه لها، عن طريق هدية فى المناسبات كعيد ميلادها أوعيد زواجها، فيكون للهدية مفعول السحر عندما يُحضَرها الزوج لزوجته.
الهدية ليست بقيمتها المادية، فمثلاً الورد له قيمة كبيرة فى حد ذاته للتعبير عن الحب، وهذا لا يعنى أن الهدايا المادية تغنى عن الحب عن طريق الكلام وتكريس الوقت للحبيب، إن توفير الأمور المادية لوحدها لا تشبع إحتياج الحب عند النفس البشرية، فالطفل يحتاج لوجود الأب والأم معه، ليس لوجود المادة معهم (بابا أنا عايزك أنت أنا محتاج لحبك لى) "َأَنْتُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ، بَلْ رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ" (أف 4:6).
الحب الغير مشروط
إن أهم مايميز الحب الحقيقى أن يكون غير مشروط، لابد من توصيل الحب لطفلى بأن أقول له: "أنا أحبك لأنك إبنى ليس لكونك ناجح أو متميز أو لحسن عملك أو لمظهرك" ولا يجب أن أقول له: "لو ذاكرت أحبك، لو نجحت أحبك، لو أطعت الكلام أحبك، ولكنى أحبك لأنك أبنى" "مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْفِئَ الْمَحَبَّةَ، وَالسُّيُولُ لاَ تَغْمُرُهَا" (نش 7:8).
أكثر وقت يشعر فيه طفلى بحبى عندما يخطىء ويشعر بالذنب، ويتوقع رد فعل عكسى منى، فيجد حضنى مفتوح فى هذا الوقت، حينئذ يشعر الطفل بالحب الشديد، وهذا لا يعنى عدم تنفيذ العقاب ولكن أعاقبه بعد جرعة الحب.
كيف تملأ خزان طفلك بالحب ؟
املأه بمحبة المسيح
اشبع طفلك بالحب.. شجع ابنك.. استمع إليه.. حاوره.. خذه صديقًا لك.
تميزت الأسرة المصرية بعدة سمات ميزتها عبر العصور المختلفة، فمنذ العصر الفرعونى وصولاً إلى العصر الحديث هناك بعض السمات التى لازمت الأسرة المصرية عبر العصور، بل أن هناك بعض العادات المتوارثة من العصر الفرعونى، والتى مازالت الأسرة المصرية تمارسها حتى الأن منها على سبيل المثال:
1- عادة الإحتفال بسبوع المولود: ففى اليوم السابع يتم إقامة حفل كبير يحضره كل الأقارب والجيران والمعارف، ويتم "زف" المولود إلى خارج البيت تحمله أمـه فـى "منخل" مزين بالورود، وتزداد الزينة إذا كان المولود أنثى، وقبلها بليلة يتم وضع "قلة" بها ماء فى إناء واسع يوضع فيه ماء ويبذر فيه 7 حبات من الفول والأرز، مـن المساء حتى موعد الإحتفال فى اليوم التالى، وذلك تيمنًا بالعمر المديد، والخير الوفير، وفى الإحتفال توزع حلوى خاصة.
2- عادة تبادل المنتجات المنزلية: مثل الخبـز والبسكويت والكحك والمحاصيل
الزراعية وغيرهـا، وهى عـادة فرعونية انتشرت بين مختلف الأسـر عبر الحقب الزمنية حتى بداية عصـر الدولة القبطية التى توارثـت تلك العـادة، ومن ثم تناقلتها عنها الدولة الإسلامية وأستمرت حتى الأن فى الأرياف بوجه خاص.
3- عادة أكل الفسيخ : فهو عاده فرعونية بحتة لا يعرفها أحـد من سكان المعمورة إلا المصريين، وقد توارثوها من أجدادهم الفراعنة.
4- كما أن هناك الكثير من المفردات التى نستخدمها فى حياتنا اليومية الأن، والتى ترجع أصولها إلى اللغة المصرية القديمة مثل كلمة "َمم" وتعنى يأكل، وكلمة "بيصور" وجاءت منها كلمة البيصارة، وكلمات "كانى ومانى" وتعنى لبن وعسل، وهكذا نرى أن هناك العديد من السمات التى اشتركت فيها الأسرة المصرية عبر العصور، والأن نستعرض بشىء من الشرح بعض هذه السمات فى بعض العصور التى مرت على مصر.
أولاً : الأسرة المصرية فى العصر الفرعونى
هناك العديد من السمات التى تميزت بها الأسرة المصرية فى العصر الفرعونى نذكر منها:
أولاً : تكريم الزواج :
كان للزواج فى العصر الفرعونى كرامته الخاصة، وقد عرف المصريون الأسرة كمؤسسة يقودها الزوج، وتساعده فيها الزوجة، ويوجد العديد من النصوص المصرية القديمة التى تؤكد ذلك.. فعلى سبيل المثال: نقرأ فى نص مصرى قديم "اذا كنت شخصًا ذو مكانة فأبحث لنفسك عن زوجة ولتحب زوجتك فى البيت واملأ أحشائها، واكسى ظهرها فلتفرح قلبها مادمت حيًا، أنها حقل طيب لرجلها".
وفى هذا النص نجد وصية للرجل صاحب المكانة الرفيعة أن يتزوج، وهذا يوضح كرامة الزواج عند المصرى القديم، كما نجد فى هذه الوصية حث للزوج أن يهتم بزوجته من ناحية الأكل والشرب والملبس فى قوله: "املأ أحشائها واكسى ظهرها" وتوصية أيضًا أن يهتم بزوجته من الناحية النفسية فى قوله: "فلتُفرح قلبها مادمت حيًا" وهنا يتضح لنا أن المصريين القدماء قد اهتموا بإشباع الإحتياجات النفسية بجانب الإحتياجات الجسدية.
ثانيًا : الزوجة الواحدة :
عرف المصريون القدماء مفهوم الإرتباط بزوجة واحدة، وكان هذا هو الوضع السائد فى أغلب الزيجات، ولم يعرف الفلاحون وعامة الشعب تعدد الزوجات أو زواج الأخ بأخته أو الأب بأبنته إلا فيما ندر، وإن كان هذا قد حدث فى بعض الحالات بين ملوك الفراعنة وعلية القوم.
ثالثًا : كرامة المرأة :
كان للمرأة كرامة خاصة فى مصر القديمة، وقد تمتعت بحقوق مساوية للرجل فى معظم جوانب الحياة، وقد كانت تتعلم فى المدارس مثلها مثل الرجال، كما كانت تشارك زوجها فى العمل فى الحقل. وقد كان لها مكانة كبيرة فى القصر الفرعونى، فكانت ملكة تشارك فى الحكم وتربى النشئ ليخلف عرش أبيه الملك، كما كانت تشارك فى المراسم الكهنوتية فى المعابد.
كما أننا نجد بعض النساء قد وصلن لعرش مصر فى العصر الفرعونى مثل "الملكة حتشبسوت"، والتى كانت الفرعون الخامس فى عصر الأسرة الثامنة عشرة، ويعتبرها علماء المصريات واحدة من أنجح الفراعنة، حاملة للقب أطول من أى إمرأة أخرى فى الأسر المصرية. تميز عهدها بقوة الجيش ونشاط البناء والرحلات البحرية العظيمة، التى أرسلتها للتجارة مع بلاد الجوار.
رابعًا : الإهتمام بالأبناء :
كان الأبناء هم محور حياة الأسرة فى مصر الفرعونية، فلقد أهتم المصريون القدماء بتربية أبنائهم وتعليمهم، ويقول الحكيم بتاح حتب وهو حكيم مصرى قديم عاش فى عصر الدولة القديمة فى مصر الفرعونية. وهو وزير الفرعون (ديد كارع إيزيسى) أحد ملوك الأسرة الخامسة 4500 ق يقول: "إذا كنت رجلاً عاقلاً فليكن لك ولد تقوم على تربيته وتنشئته، فذلك شىء يسرالآلهة.. فإذا إقتدى بك ونسج على منوالك ونظم من شئونك ورعاها، فأعمل له كل ما هو طيب لأنه ولدك وقطعة من نفسك وروحك، ولا تجعل قلبك يجافيه. فإذا ركب رأسه ولم يأبه لقواعد السلوك فطغى وبغى، فقوِّمه حتى يعتدل شأنه ويستقيم قوله، وباعد بينه وبين رفاق السوء حتى لا يفسد".
ونرى فى هذه الوصية حث للأباء أن يقوموا بتربية أبنائهم بالود والمحبة، وكذلك تأديبهم فى حالة الحياد عن الطريق، وكذلك توصى الأباء أن يباعدوا بين أبنائهم ورفاق السوء حتى لا يفسد الأبناء، كما أننا نجد المصريين القدماء قد أهتموا أيضًا بتدريب أبنائهم على أعمال الزراعة، والأعمال الحرفية، لكى يخلف الأبناء أبائهم فى أعمالهم، وصناعتهم وكان الإبن يرث ممتلكات أبيه بعد وفاته، وكان الأب الميت يعتبر حيًا فى شخص إبنه.
خامسًا : إكرام الأبناء لوالديهم :
كان إكرام الوالدين مبدأً هامًا فى الأسرة المصرية القديمة، وقد إهتم الأبناء فى مصر الفرعونية بوالديهم ولا سيما المسنين منهم، وكان الإبن يتحمل مسؤلية والديه الذين تقدما فى العمر، ويهتم بهم ويرعاهم، وأننا نجد فى النصوص المصرية القديمة العديد من الوصايا التى تحض الأبناء على إكرام والديهم، فنجد مثلاً مقولة فرعونية تقول: "إن دعاء الأبناء لن تسمعه السماء إلا إذا خرج من فم الأمهات".
فى رأيك هل سمات الأسرة فى العصر الفرعونى أفضل أم فى عصرنا الحديث؟
ثانيًا : الأسرة المصرية فى العصر القبطى
دخلت المسيحية إلى مصرعلى يد القديس مرقس الرسول فى منتصف القرن الأول الميلادى، وقد آمن على يديه فى بادىء الأمر القديس إنيانوس الإسكافى هو وأسرته، وفى فترة قصيرة تحولت مصر إلى الديانة المسيحية، ولقد أثرت مبادئ وتعاليم المسيحية فى حياة الأسرة القبطية مما أدى إلى زيادة الرقى فى حياة الأسرة، ونجد هذا يتضح من خلال:
أولاً : المساواة الروحية بين الرجل والمرأة :
إن تعاليم المسيحية تؤكد على المساواة بين الرجل والمرأة، فلقد أكد القديس بولس الرسول على تلك المساواة الروحية فى علاقة كل منهما بالمسيح: "لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِى الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (غل28:3). كما وضح بولس الرسول أن للمرأه دورًا متميزًا فى الأسرة فهو يقول فى رسالته الأولى لأهل كورنثوس: "أَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِى مَجْدُ الرَّجُلِ" "غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِى الرَّبِّ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ هِى مِنَ الرَّجُلِ هَكَذَا الرَّجُلُ أَيْضًا هُوَ بِالْمَرْأَةِ" (اكو 12،11،7:11).
كما نجد القديس أكليمنضس السكندرى يتكلم بوضوح شديد عن المساواة بين الرجل والمرأه فيقول: "يمارس كل من الرجل والمرأة الفضائل ذاتها ومن المؤكد أنه إذا كان هناك رب واحد لكليهما، إذا فهناك معلم واحد فقط لكليهما، كنيسة واحدة، فضيلة واحدة تواضع واحد.. وفى هذا النص يشرح القديس أكليمنضس السكندرى كيف أن الرجل والمرأة يتماثلان فى العديد من الأمور الروحية والجسدية، وهذا يدل على المساواة بينهما لكن كل ما سبق لا يعنى أن المرأة والرجل متماثلان بل متكاملان أى أن لكل منهما دور مختلف عن الأخر، ولكنهما يكملان بعضهما البعض.
والمساواة لا تفترض التماثل، لأنّ الكنيسة هى جسد مميَّز، ولكلّ واحد دوره المغاير وليس المتمازج مع الأخر وفى النهاية يؤدّى التكامل بين المرأة والرجل إلى بناء عالم
ليس متساوٍ ومتماثل بل متناغم وموحّد. ولقد أدركت الأسرة المصرية المسيحية
هذا المفهوم وعملت به.
ثانيًا : شريعة الزوجة الواحدة :
تميز الزواج المسيحى منذ بداية دخول المسيحية بشريعة الزوجة الواحدة، فالزواج المسيحى ليس مجرد عقد يمكن فسخه بإرادة أحد الزوجين، أو كليهما بل على العكس من ذلك فالزوجين يرتبطان بفعل سر الزيجة المقدس، وعمل الروح القدس ولا ينفصل هذا الإرتباط إلا بموت أحدهما أو بإرتكاب أحدهما لفعل الزنى الذى يلغى فاعلية السر الذى جعل من الأثنين واحدًا.
وقد شبه الرسول بولس الوحدة بين الزوج والزوجة بذلك السر العظيم الذى هو إتحاد المسيح بالكنيسة "أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا.. يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الإثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. هَذَا السِّرُّ عَظِيمٌ" (أف 32،31،25:5) وقد عاشت الأسرة المسيحية على هذا المبدأ عبر العصور، فكان الزوج المسيحى يلتزم بشريعة الزوجة الواحدة.
ثالثًا : الإهتمام بتربية الأبناء :
إن تعاليم المسيحية تحث على تربية الأبناء تربية حسنة،
ولقد إهتمت الأسرة المصرية فى العصر القبطى بالأطفال
منذ البداية، فكانت تربطهم بالكنيسة منذ ميلادهم عن طريق
المعمودية وممارسة الأسرار الكنسية كما كانوا يطلقون
على أبنائهم أسماء قديسين من الكتاب المقدس، وأهتم الأبوان بتنشأة أبنائهم فى جو روحى إيمانى يتسم بالفضيلة والحب والتعلق بالكنيسة، فيتمسكون بإيمانهم المسيحى، ويترعرعون فى أحضان الكنيسة، وينمون فى الحكمة والنعمة.
ونجد القديس أكليمنضس السكندرى يقدم وصية للأبوين يقول فيها: "علما أولادكما كلمة الرب فى عمق، وضعا بين أيديهم كل سفر من الأسفار المقدسة" ولقد عاش الأباء والأمهات فى الأسرة المصرية فى العصر المسيحى حياة التقوى والفضيلة والتمسك بالإيمان الأرثوذكسى، وقدما من أنفسهما نماذج حية لأبنائهما وبناتهما عن معنى الإيمان المسيحى، وقد تمسكت الأسرة بالصلاة العائلية، والإلتفاف حول الكتاب المقدس فى جلسة عائلية، وكان نتاج ذلك أننا وجدنا أُسر كاملة عندما بدأ عصر الإضطهاد تتقدم إلى الإستشهاد غير مبالية بالآلام، ولا بالحياة نفسها، ومثال لذلك أسرة الشهيدة رفقة وأولادها الخمسة، والأم دولاجى وأولادها الأربعة، والشهيدة دميانة وأبيها الوالى مرقس، والقديسة يوليطه وإبنها كيرياكوس.
رابعًا : إكرام الوالدين :
لاشك أن إهتمام الأباء بتربية أبنائهم التربية المسيحية السليمة قد أدى إلى أن يكرم هؤلاء الأبناء أبائهم، فتعاليم المسيحية تدعو إلى إكرام الوالدين، فالقديس بولس الرسول يقول: "أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِى الرَّبِّ لأَنَّ هَذَا حَقٌّ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، الَّتِى هِى أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ، لِكَى يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ، وَتَكُونُوا طِوَالَ الأَعْمَارِ عَلَى الأَرْضِ" (أف 1:6-3). ولقد أدرك الأبناء المسيحيين أهمية هذه الوصية، فأكرموا والديهم وأهتموا بهم حتى البعيدين منهم عن المسيح، فنحن نقرأ فى قصة إستشهاد القديسة دميانة كيف أنها ذهبت لوالدها عندما علمت أنه أنكر المسيح، وكيف كلمته بكل أدب وإحترام، ولم تسكت إلا بعد أن اقتنع والدها بكلامها وأعترف مرة أخرى بالسيد المسيح ونال إكليل الشهادة.
ثالثًـا : الأسرة المصرية فى العصر الإسلامى
منذ دخول العرب مصر عام 641م نجد الأقباط والمسلمين يتعايشون جنبًا لجنب، ولقد تأثرت حياة الأسرة المصرية سواء كانت مسلمة أو مسيحية بهذا التعايش، الذى أدى إلى إشتراكهم فى العديد من العادات والتقاليد فى الحياة الإجتماعية، ونجد اللورد كرومر المندوب السامى البريطانى عندما أرسل تقريره عن الحالة فى مصر للتاج البريطانى نجده يرسل تقريرًا يقول فيه: "لا تستطيع أن تفرق بين المسلم والمسيحى فى مصر فى عاداتهم وتقاليدهم إلا من خلال شىء واحد وهو أن المسلم يذهب إلى المسجد عند الصلاة والمسيحى يذهب للكنيسة كما نجد (LANE) والذى زار مصر فى مطلع القرن التاسع عشر يقول: "إنى أجد صعوبة أحيانًا فى أن أدرك أى فارق بين قبطى ومسلم مصرى" كما يذكر LANE فى حديثه أن المصريين المسيحيين والمسلمين يتشابهون فى أمور عديدة منها: الملابس، وختان الأطفال، وعادات الزواج والحياة المنزلية. ولعل هذا التشابه بين المسيحيين والمسلمين فى الحياة الأسرية والعادات الإجتماعية، يرجع إلى الحياة الإجتماعية المشتركة والجو الثقافى الذى يعيشون فيه معًا.
وقد لاحظ جورج لوجران هذا أيضًا فقال: "أن المصرى سواء كان مسلمًا أو قبطيًا يتمتع بذات الصفات مما يبدو أنه مغروسًا فى سكان وادى النيل" إلا أنه ليس معنى ما سبق أن الأسرة المسيحية والمسلمة متطابقتان بل هما متشابهان فى معظم السمات مثل الإهتمام بتربية الأبناء، وإكرام الوالدين، وبعض عادات الزواج.
رابعًا : الأسرة المصرية فى العصر الحديث
لم تختلف سمات الأسرة فى العصر الحديث كثيرًا عن سماتها فى باقى العصور، إلا أنه أتت فترة ساء فيها حال الأسرة المصرية، ولاسيما ظهور التمييز السلبى ضد المرأة، إلا أنه على إمتداد العصر الحديث قامت نهضة نسائية عظيمة فى مصر ومن رواد هذه النهضة:
1- البابا كيرلس الرابع (أبو الإصلاح) : الذى أدرك أهمية دور المرأة خاصة فى تربية الجيل الجديد، فاهتم بتعليم البنت كأُم للمستقبل ولكى يكون هناك توافق فكرى وثقافى بين الفتاة والشاب، فأنشأ أول مدرسة للبنات فى حارة السقّايين، وإنضمّت إلى المدرسة بنات من الأقباط واليهود والمسلمين.
2- رفاعة الطهطاوى : الذى نادى بضرورة تعليم البنات مثل البنين، وأعقب ذلك إنشاء مدرسة لتعليم البنات هى مدرسة السيوفية ثم أنشئت مدرسة أخرى للبنات هى (مدرسة السنية).
3- قاسم أمين : الذى طلب بخروج المرأة للحياة العامة وممارسة حقها فى التعليم والعمل، ووجدت هذه الدعوة صدى واسعًا فى عهد الزعيم مصطفى كامل. وعندما قامت ثورة 1919 ضد الإحتلال البريطانى لم تتخلف المرأة عن المشاركة، فلقد اشتركت ثلاثمائة من سيدات وشابات مصر المسلمات والمسيحيات فى مظاهرة السيدات الكبرى فى مارس1919م وعرضن أنفسهن لرصاص المحتل.
وفى يوم 8 يناير1920 إجتمعت أكثر من ألف سيدة مصرية من المسلمات والمسيحيات فى الكاتدرائية المرقسية بكلوت بك، وقمن بتأليف لجنة الوفد المركزية للسيدات، وتم إنتخاب عضوات اللجنة فى قلب الكاتدرائية، وقد إنتخبت هدى شعراوى رئيسة للجنة رغم أنها لم تكن موجودة فى القاهرة، وقد شهد عام 1923 إنشاء الإتحاد النسائى المصرى على يديها ويذكر التاريخ أن الحكومة المصرية أرسلت أول دفعة للطالبات المصريات للخارج للحصول على التعليم العالى عام 1952م، أما عام 1928م فقد شهد دخول أول دفعة من الطالبات جامعة القاهرة.
وفى عام 1942م أسست فاطمة راشد أول حزب سياسى نسائى مصرى، كما تأسس الإتحاد النسائى العربى فى القاهرة "بنت النيل" برئاسة درية شفيق عام 1949م، وقد تبنت الدولة العديد من السياسات خلال السنوات الماضية مما أدى إلى تعزيز وضع المرأة، وتحقيق العديد من المكاسب منها :
1- تولى المرأة منصب القضاء فتم تعيين الأستاذة تهانى الجبالى أول قاضية فى مصر بالمحكمة الدستورية العليا، وهى أعلى درجات السلم القضائى كما بلغ عدد السيدات فى النيابة الإدارية نحو 436 سيدة، وتولت المرأة هيئة النيابة الإدارية لفترتين متتاليتين، واشتركت بعض المستشارات لأول مرة فى الإشراف على اللجان الإنتخابية فى إنتخابات مجلس الشعب عام 2005م، كما بلغ عدد النساء فى هيئة قضايا الدولة 72 إمرأة.
2- تعديل قانون إختيار العمد والمشايخ إستنادًا إلى أنه يتعارض مع مبدأ المساواة، وبالفعل أصبح من حق المرأة أن تشغل منصب العمدة أو شيخ البلد، وقد تحقق ذلك فى قريتين بالريف المصرى.
3- تعديل قانون الجنسية بالقانون رقم 154م لسنة 2004م، وتحقيق المساواة الدستورية بين الأم المصرية والأب المصرى، فى منح الجنسية المصرية لأبناء المصرية المتزوجة من أجنبى.
لاشك أن النهضة النسائية التى حصلت فى العهد الحديث قد ساهمت بالرقى بمستوى الأسرة المصرية، فالمرأة هى عنصر رئيسى من عناصر هذه الأسرة، ورقيها يؤدى إلى رقى الأسرة بأكملها.
إن أهم ما يميز العصر الحديث هو أنه عصر العلم والمعرفة، ولعل أبرز نتيجة لهذه المعرفة هى إنتشار الميديا بكل أنواعها، ويمكننا أن نعرف الميديا بأنها أى وسيلة تستمد منها الجماهير المعلومات التى هى بحاجة إليها.
فالميديا تضم الجرائد والقنوات التليفزيونية بكل أنواعها، والأفلام، والفيديو كليب، والراديو والكتب، والمجلات، والإنترنت، والشبكات الإجتماعية، وألعاب الكومبيوتر، وفى المجمل فإن الميديا هى كل ما يحيط بالمستهلك من وسائل الإمداد بالمعلومات.. وفى الحقيقة فإن الميديا بأنواعها المختلفة وخصوصًا التليفزيون، والإنترنت، والفيديو، أنتشرت فى العقدين الأخيرين بين أغلب فئات المجتمع، على مختلف ثقافاتهم وحالتهم الإجتماعية.
فإن الميديا قد دخلت إلى كل بيت وأنتشرت بطريقة غيرعادية، وخصوصًا بين الشباب وهناك بعض الأشخاص يتعلقون بالميديا بطريقة مرضية، وحتى أنك تجد أحيانًا بعض الشباب لا يقومون من أمام التليفزيون، أوالنت، بل يأكل ويشرب وهو يتصفح الإنترنت أو يشاهد التليفزيون، بل وأصبح النت متاحًا عن طريق التليفون المحمول، حتى أنك ترى بعض الشباب وقد أصبح النت هو شاغلهم الرئيسى طوال اليوم، بل وحتى أيضًا بين الأطفال.
فلقد سألت إحدى الأطفال وعمرها سبع سنوات عن من هم أفراد أسرتها، فكان جوابها أفراد أسرتى هم أبى وأمى وجدتى.. والتليفزيون وهذا الجواب يوضح أن الأطفال أصبحوا يعتقدوا أن وسائل الميديا هى من أهم الأشياء، حتى أن هذه الطفلة ساوت بين أبيها وأمها والتليفزيون، ووضعتهم فى نفس المرتبة. مما سبق يتضح لنا أن للميديا تأثير كبير على الأسرة.. فما هو هذا التاثير؟
تأثير الميديا على الأسرة
لاشك أن للميديا أثار قوية، وواضحة على كل أفراد الأسرة، وهذه الأثار منها ما هو سلبى ومنها ما هو إيجابى.
أولاً: التأثير السلبى للميديا : هناك عدة أثار سلبية للميديا نذكر منها:
1- الإنفصال العاطفى والإجتماعى للأسرة :
أن من أهم الأثار السلبية للميديا هو أنها ساهمت كثيرًا فى إنفصال أفراد الأسرة عن بعضهم إجتماعيًا وشركة وعاطفة وهناك مقولة جميلة: "أن التليفزيون قد يجمع العائلة فيزيائيًا لكنه يفرقها عاطفيًا" وليس هذا فقط بل أننا نجد أن كل فرد منشغل بالميديا، ويتعامل مع الكمبيوتر أوالتليفون المحمول ويبتعد عن أى علاقة مع باقى أفراد أسرته، وكما يقول نيافة الأنبا موسى: "أن الموبايل والنت قرب البعيد، وأبعد القريب".. فقد تجد فى نفس الوقت أن الإبن مشغول بالكمبيوتر ومنعزل فى مكان بمفرده، والزوجة أمام التليفزيون، والزوج يقرأ الجرائد وهكذا.. حتى وقت الأكل الذى كانت تتجمع فيه الأسرة لم يعد كذلك، فتجد الإبن أو الأب يأكل وهو أمام الإنترنت أوالتليفزيون، وكل فرد يأكل فى ميعاد مختلف عن الأخر. لكن "هُوَذَا مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعًا" (مز 1:133)
2- إهدار الوقت :
لاشك أن من أكثر أسباب ضيـاع الوقـت هـو التعلـق بالميديا، فهناك بعض الأشخاص يقضون أغلب وقتهم أمام التليفزيون، أو الإنترنت، وربما يقضون الليل كله على الفيس بوك أو الشات، وقد يصل الأمر إلى إدمان الفيس بوك والإنترنت، وبالطبع فإن هذا يكون على حساب وقت الصلاة والقراءة فى الكتاب المقدس، وعلى حساب وقت المذاكرة، وحينما تسأل أحد هولاء الأشخاص لماذا لا تصلى أو تقرأ فى الكتاب المقدس يجيبك مفيش وقت.
3- تغيير نمط الحياة:
لاشك أن للميديا دور كبير فى تغيير نمط الحياة سواء من الناحية السلوكية أو من الناحية الفكرية، فمن الناحية السلوكية نجد أن الإنشغال الزائد بالميديا قد غير العديد من السلوكيات فى المجتمع، مثل الإفراط فى السهر، وما يتتبعه من الإستيقاظ متأخرًا، كذلك أدى إلى نوع من الآلية وبرودة فى المشاعر، وذلك لأن تعامل الأشخاص أغلب الوقت أصبح مع الآلات مثل الكمبيوتر والتليفزيون والمحمول, مما أدى إفتقاد الأشخاص إلى المشاعر والتعامل بألية.
أما من الناحية الفكرية فلقد أسهمت الميديا فى تغيير بعض الأفكار والمبادىء، فنجد أن بعض الشباب المشغول بالميديا قد تغيرت بعض الأفكار والمبادىء عنده، فتغيرت مفاهيم كثيرة مثل مفهوم الصفوة ومفهوم المثل العليا وغير ذلك من المفاهيم.
4- الأثار النفسية والإجتماعية السلبية على الأطفال:
إن الأطفال هم أكثر الفئات تأثرًا بالميديا، وذلك لأن إدراكهم غير مكتمل، فهم
لا يستطيعون التمييز بين ما هو ضار وما هو مفيد، وهناك العديد من الأثار النفسية والإجتماعية السلبية على الطفل منها:
أ- تنمية السلوك العدوانى لدى الطفل: هناك العديد من الدراسات التى تؤكد أن هناك إرتباطًا قويًا بين مشاهدة البرامج التليفزيونية العنيفة، والسلوك العدوانى للطفل، ولاسيما أبطال أفلام العنف، والأكشن، والمصارعة الحرة، والألعاب الرياضية الخطيرة، ونحن نجد الطفل يميل إلى تقمص شخصيات الأفلام، وقبول العنف كوسيلة لمواجهة بعض المواقف إلى أن يصبح الطفل عنيفًا، وسريع الغضب، وعدوانيًا.
ومن الملاحظ أنه حتى أفلام الكرتون التى من المفروض أنها موجهة للأطفال أصبحت أيضًا مليئة بالعنف، ولا ننسى الأحداث العالمية من إعتداءت بكل صورها والمنشورة يوميًا على الفضائيات والميديا، وأصبحت فى متناولهم فيتأثرون سلباً بالخوف، وإيجاباً بالتقليد..
ب - التأثير السلبى على إستذكار الدروس: أن للميديا تأثير سىء بالنسبة للدراسة والإستذكار فبعض الأطفال يقضون معظم وقتهم أمام التليفزيون والنت ولا يجدون وقتًا لإستذكار دروسهم أو أداء واجباتهم كما أنهم يلتهون عن حفظ الدروس والنصوص المقررة عليهم بحفظ الأغانى والفيديو كليب.
ج - حرمان الطفل من التجربة الحياتية التى تطور من قدراته: فهناك بعض الأطفال الذين يتقوقعون حول التليفزيون أو الكومبيوتر وألعاب الفيديو، وهذا يفقدهم التجربة الحياتية، وتصبح قدرتهم منحصرة فقط فى مهارة إستخدام ذراع ألعاب الفيديو أو ما شابه ذلك و تقليد ما يسمعه أو يراه.
د- إشعال الغرائز والدوافع الجنسية قبل وقت النضج الطبيعى: إن مشاهدة الأطفال الصغار لمشاهد العنف والجنس، قد ينمى فى داخلهم شعور عدوانى ناحية المرأة، كما أنه يشعل فيهم الغرائز الجنسية قبل أوان النضج الطبيعى، كما أنه يفقدهم فضيلة العفة حيث ينشأون على مشاهدة مثل هذه المناظر، وهذا يؤدى إلى إعتيادهم على هذه المناظر ويتشكلون عليها، بعيد عن الأسرة.. ومن ثم سوف لا يشعرون بالخطأ الحرج من مشاهدتها عندما يكبرون.
هـ- تكوين بعض العلاقات الخاطئة: هناك بعض العلاقات الخاطئة التى قد تنشأ عن طريق الشات والإنترنت، والتى من الممكن أيضًا أن تتحول من علاقة عابرة على النت إلى علاقة خاطئة كاملة، يسعى الطفل إلى تنفيذها فى الواقع.
ثانيًا: الأثار الإيجابية للميديا :
إن ماسبق ذكره من أثار سلبية للميديا لا ينفى أن لها أثار إيجابية كبيرة نذكر منها:
1- رفع المستوى الثقافى والعلمى :
مما لاشك فيه أن الميديا ترفع من المستوى الثقافى والعلمى، فالأفلام الوثائقية والثقافية والعلمية التى تنتشر فى القنوات العلمية ترفع من المستوى الثقافى والعلمى للفرد، كما أنه بعد إنتشار النت أصبح من السهل على كل فرد الوصول لأى معلومة يريدها بكل سهولة وأننا نتذكر أنه فى الماضى كان الفرد يعانى للوصول إلى المعلومة، فيضطر للذهاب إلى المكتبة والبحث عن الكتاب الذى يريد البحث فيه عن المعلومة.
وربما يضطر للذهاب إلى أكثر من مكتبة حتى يجد ما يبحث عنه، وربما لا يجد كل ما يبحث عنه، أما الأن فأصبح بالإمكان الوصول إلى أغلب المعلومات وأغلب الكتب بضغطة زر البحث على الإنترنت فنحن فى عصر السماوات المفتوحة، ولكن مع تحفظ أنه كما أنه مصدر للمعلومات ولكن عليك أن تختار وتفرز، وتعرف مصدر المعلومة خاصة ما يخص الأمور اللاهوتية والكتابية والعقائدية والإيمانية، فيجب التأكد من مصدرها حتى لا ننزلق وراء أمور تخالف عقيدة كنيستنا.
2- زيادة الوعى الدينى والروحى :
إن إنتشار القنوات الدينية المسيحية التى دخلت معظم البيوت المسيحية، لاشك أنه قد ساهم فى زيادة الوعى الدينى والروحى والكنسى فلاشك أن القداسات والعظات والبرامج الدينية المختلفة التى أصبحت متاحة على القنوات الدينية، وكذلك على المواقع والمنتديات الدينية أنها تساعد فى النمو المعرفى والروحى للأسرة.
3- تطوير اللغة :
إن الميديا تساهم فى تطوير اللغة، فالذى يستمع إلى الأفلام الأجنبية يتعلم طريقة النطق بلهجة بلد الفيلم، وكذلك أصبح من الممكن أن تستمع لنطق كل كلمة إنجليزية أو أى لغة أجنبية أخرى عن طريق النت وتتعلم كيف تنطقها.
4- الإطلاع على مجريات الأحداث :
لاشك أن العالم بعد إنتشار الميديا قد أصبح قرية صغيرة، وخصوصًا مع إنتشار قنوات الأخبار على التليفزيون وكذلك المواقع الإخبارية على النت، فأنت تستطيع أن تتعرف على مجريات الأحداث التى تحدث فى أى بقعة فى العالم حال حدوثها بل وتستمع أيضًا لتحليلات حول هذه الأحداث.
5- تقوية العلاقات الإجتماعية :
إن إنتشار مواقع التواصل الإجتماعى عبر الإنترنت من الممكن أن يساهم فى تقوية العلاقات الإجتماعية للبعيدين، فهناك بعض الأشخاص الذين يستغلون هذه المواقع فى الإتصال بأقاربهم حتى لو كانوا فى أماكن بعيدة، وتجدهم يتشاركون فى المناسبات العائلية المختلفة مما يساهم فى تقوية العلاقات الإجتماعية.
6- تنمية الإبداع :
هناك بعض الأشخاص الذين لم يجدوا مكانًا لنشر إبداعاتهم مما قتل عندهم روح الإبداع ولكن الآن أصبح من المتاح لهم أن ينشروا إبداعاتهم عن طريق النت، و يراها الناس من مختلف أنحاء العالم، ولاشك أن هذا يساعدهم على تنمية مواهبهم، وأننا نرى أن برامج ومذيعين أصبحوا مشهورين الأن، وكانت بدايتهم مجرد نشر أعمالهم على النت.
7- التاثيرات الإيجابية على الطفل : إن الميديا لها أثارها الإيجابية على الطفل فهى:
1- تزيد من قدرته على التخيل والابداع: فهناك بعض أفلام الكرتون والبرامج الموجهة للأطفال، والتى تنقل الطفل بخياله إلى عوالم أخرى، فينتقل بخياله إلى الفضاء أو إلى أعماق البحر، أو يتنقل بين العصور المختلفة.
2- تنمى مواهبه الفكرية : لاشك أن بعض البرامج التعليمية الموجهة للأطفال تساعد على تنمية المواهب الفكرية والإبداع لدى الأطفال.
3- تساعده على التعلم بشكل أفضل: إن إنتشار الشات حتى بين الأطفال ساعدهم على تعلم القراءة والكتابة بطريقة أفضل، وكذلك إنتشار التعليم الإليكترونى عن طريق أسطوانات البرامج.. كل هذا ساهم فى إنتشار التعليم بطرق مختلفة.
مما سبق يتضح لنا أنه ليس العيب فى الميديا، ذاتها لكن الخطأ هو فى الإستخدام الخاطىء للميديا، فالفيس بوك مثلاً من الممكن إستخدامه فى إنشاء علاقات خاطئة،
أو فى تضييع الوقت، أو فى رؤية أشياء خاطئة، أو نشر أشياء خاطئة، ولكن على الجانب الأخر من الممكن إستخدامه أيضًا فى تنمية العلاقات الإجتماعية، ونشر المعلومات الدينية والثقافية، ومن الممكن إستخدامه كوسيلة إفتقاد فى مدارس الأحد. وبالمثل التليفزيون من الممكن أن أرى فيه أشياء معثرة وأشياء لا قيمة لها، ومن الممكن أن أرى فيه أفلامًا دينية، أو قداسات، أوعظات، وقِس على ذلك العديد من وسائل الميديا.
حاول أن تتعرف على كيفية إستخدام كل وسيلة من وسائل الميديا بطريقة روحية.. ونفذ ما توصلت إليه فى حياتك العملية..
رد فعل الأباء والأمهات على تعلق أبنائهم بالميديا
إن رد فعل الأباء والأمهات على تعلق أبنائهم بالميديا، فى أغلب الأحيان يكون واحد
من ثلاثة هى:
@ يحرمون أبنائهم منها تمامًا. @ يتركون أبنائهم على كامل حريتهم دون أى مراقبة
@يعطون أبنائهم الحرية مع وجود رقابة غير ظاهرة.
ما هو رد فعلك على تعلق أبنائك بالميديا؟
والسؤال الذى يطرح نفسه الآن: هو كيف نستفيد من الميديا وفى نفس الوقت نتجنب أثارها السلبية؟
هناك عدة نصائح نتمكن من خلال تطبيقها من الإستفادة من الميديا، وفى نفس الوقت نتجنب أثارها السلبية، ويستحسن أن يبدأ الوالدين فى تطبيق هذه النصائح مع أبنائهم من مرحلة الطفولة، لأن الطفل حينما يعتاد على شىء سوف يسهل التعامل معه، حينما يدخل مرحلة المراهقة والشباب.
- يجب أن يكون الأب والأم قدوة حسنة لأولادهم: فالإبن حينما يرى أبيه أو أمه يقضون معظم أوقاتهم أمام التليفزيون، أو الإنترنت للتسلية، فمن الطبيعى أن يتعلم منهم، وعندها حتى لو نصحوه بأن يستخدم الميديا بطريقة روحية لن يكون لنصيحتهم صدى لديه، فلابد أن يبدأ الوالدين بأنفسهم أولاً، ولابد أن ينشأ الطفل فى جو نقى وروحى حتى يستطيع أن يتجنب الأثار السلبية للميديا.
- يجب أن يتواصل الوالدين مع أبنائهم ويصغون لهم: فالأبناء يحتاجون إلى التواصل مع والديهم، وأن يصغى الوالدين لهم، لكن حينما يجد الأبناء تجاهل من والديهم يتجهون إلى إشباع إحتياجاتهم عن طريق الإنترنت أو الشات. لماذا لا تحاول أن تكون صديقًا لإبنك على الفيس بوك وبذلك تتواصل معه وتراقبه بدون أن تشعره بذلك
أو تجرحه.. وعلى الوالدين أن يعلموا أن حاجات أبنائهم تتعدى الحاجات الجسدية: كالمأكل والملبس، وإلى الحاجات الذهنية والنفسية والروحية، والتى يجب أن يوفرها الوالدين لأبنائهم.
- يجب أن يضع الأباء بعض الضوابط على أبنائهم: لا يصح أن يترك الأباء أبنائهم على حريتهم فى التعامل مع الميديا، بل يجب أن يضعوا بعض الضوابط التى تنظم تعامل أبنائهم مع الميديا، وفى نفس الوقت لا تحرمهم منها.. تنظيم لا حرمان، يحتاج الوالدين إلى وضع ضوابط وأن يتدخلا فى ما يشاهده أولادهم فى مرونة وفى مناخ غير قمعى يتسم بالحوار والشفافية والمصارحة.
- يجب وضع جدول لأوقات بقاء الطفل أمام التليفزيون أو النت: "توصى الأكاديمية الأمريكية للطفولة بما لايزيد عن ساعة أو ساعتين يوميًا".
- يجب أن يساعد الأباء أطفالهم فى إختيار ما يلائم أعمارهم من برامج وألعاب وفيديوهات وأفلام.
- يجب أن يشبع الأباء إحتياجات أبنائهم: يتجه الأبناء فى الغالب إلى التليفزيون والإنترنت لأنهم لا يجدون وسائل أخرى لإشباع إحتياجاهم لذلك لابد للوالدين أن يشبعوا إحتياجات أبنائهم بطريقة روحية، ولابد أن يحدث ذلك بطريقة تدريجية بمعنى أن يحاول الأباء أن يجعلوا أبنائهم يشتركون فى الرحلات والمؤتمرات الكنسية، وكذلك يعودوهم على حب القراءة.
- يجب أن يعلم الأباء أن القليل من الترويح لا يضر: فهناك بعض الأباء يريدون لأبنائهم أن يكونوا جادين طول الوقت وأن تكون حياتهم كلها مذاكرة، ويرفضون أن يكون هناك أى نوع من أنواع الترفيه أوالترويح، وبالتأكيد فإن هذا الأمر يتعب أبنائهم ويجعل الحياة مؤلمة، لذلك نقول للأباء : قليل من الترويح لن يضر شيئًا بل أنه يجدد الذهن وينقيه.
نقولها للأباء إذا أردتم أن تجعلوا أبنائكم يستفيدون من الميديا ولا
يتأثروا بسلبياتها فأجعلوهم يذوقون أولاً حلاوة المسيح، ويشبعون به، وعندئذ
لن تخافوا عليهم من التأثير السلبى للميديا، فيمكنكم أن تتركوهم مع الميديا وأنتم مطمئنين، فمن ذاق حلاوة المسيح لن يشعر بالشبع إلا من خلال المسيح،
"اَلنَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ" (مز 7:27)